top of page

aboutMe

Egyptian writer and photographer, graduated from the Faculty of Media and Communication Arts, Radio and Television Department, interested in writing in philosophy, literature and film criticism.

the social dilemma.. هل تتحمل مواقع التواصل وحدها المسئولية؟

  • صورة الكاتب: Hossam Elkholy
    Hossam Elkholy
  • 7 نوفمبر 2020
  • 5 دقائق قراءة




ثمة دعابة فلسفية قديمة تقول أن أحد أساتذة الفلسفة كان يلقي محاضرة في الدفاع عن "الإنانة" وهي باختصار نظرية تعني أنه لا يوجد سوى عقل واحد فقط، وما يبدو لنا على أنه حقيقة خارجية وإناس آخرين هو علم يأخذ مكانه في العقل وليس حقيقة، أقنعت المحاضرة الطلاب لدرجة أنه بمجرد الانتهاء منها توجه بعضهم في حماس يشدّوا على يد أستاذهم ويبدون إعجابهم به، قال واحد: أنا متفق مع كل كلمة. وقال الآخر: وأنا كذلك. فقال الأستاذ: أنا ممتن جدًا، إذ من النادر أن يصادف المرء فرصة الالتقاء بمن يعتقدون في الإنانة. وهو رد بمثابة دعابة عبقرية؛ يصلح كمضاد للنظرية المُعجَب بها ذاتها، والتي لا تعتقد سوى وجود عقل واحد بين الجميع؛ فإما أن يكون الأستاذ فقط هو الموجود والطلبة وهم في خياله وهنا تنتفي مساهمات إعجابهم بذكائه، وإمّا أن يوجدوا ويصبح الإعجاب موجه للعدم، ومن ذلك يعلم معظم دارسو الفلسفة أن هناك بعض القضايا غير قابلة للدفاع عنها وإبداء الإعجاب بها أو تدميرها كليًا، هي معضلة أبدية. وربما هي النتيجة ذاتها التي نواجهها عند الحديث عن قضية مواقع التواصل الإجتماعي بالإعجاب أو الغضب ذاته، خصوصًا إذا كنا نناقشها غالبًا من خلالها مواقع التواصل ذاتها، والتي تظهر مع مشاهد الفيلم التسجيلي الأحدث على قوائم نتفليكس " the social dilemma" أو ورطة التواصل.

الطريقة الوحيدة لشرح أي شيء هي الإقرار بأسبابه، ما يعني أننا كلما شرحنا شئيًا على أساس حالته الابتدائية كان أفضل، لذلك عليّ أن أبدأ بأن الحقيقة هنا تبدو أكبر كثيرًا مما تبدو عليه في الفيلم الذي يتحدث من خلاله العالم الآن عن ورطة مواقع التواصل الأخلاقية والتي ربما يختذلها في إلقاء عاتق المسئولية "كلها" على رؤساء هذه المواقع وهو ما يدفعني للتحفظ قليلًا إذا استثنينا خداع المراهقين دون إرداتهم فلا يمكن استثناء غيرهم.


يبدو أنه في كل مرة ستحتوي الرأسمالية نفسها بأفكار تنمّيها من داخلها وكذلك مواقع التواصل، تحتوي نفسها بأفكار تقدّم من خلالها لعرض أزماتها، فالفيلم الذي ينتقد مواقع التواصل وشبكات الإنترنت أنتجته شركة نتفيلكس التي يمكننا أن نعتقد في خروجها من رحم هذه المواقع ومشاهدة بالأساس من جمهورها.

في فيلمهما التسجيلي الأول كثنائي "مطاردة المرجان" 2017 عملا الكاتب ديفيز كومبي والمخرج جيف أورلسكي على تقصّي أسباب شح تواجد الشعاب المرجانية تحت الماء مع الوقت، أظهرت التحقيقات خطأ التعامل البشري في استخدام المياة والتخلص مما لا يلزم داخلها. كذلك الأمر جاءت فكرة فيلمهما التسجيلي الثاني، من إنتاج نتفليكس كسابقه، يحمّل الاستخدام البشري الخاطيء، فقط، مسئولية أزمات خلقتها مواقع التواصل الإجتماعي.


يقدم الفيلم فكرة مواقع التواصل المدمرة للتواصل، انعدام التواصل هنا يأتي بمعناه الأعمق والأصدق، يدور حول تساؤلات: كيف يمكن لهذه الوسائل السيطرة على مشاعرنا؟ وكيف يمكن لتصميمها ذاته أن يؤيد الأفكار والأخبار الكاذبة على الحقيقية؟ بالتأكيد هنا شيء بديهي قُتل بحثًا حول هذه الأفكار لكنها تبدو طازجة طوال الفيلم لأنها من ألسنة صناع محتوى ومؤسسين في فيسبوك وتويتر وجوجل وإنستغرام وغيرهم من تلك المواقع العالمية ذاتها التي تسيطر على عقول وأفكار العالم فعلًا ومجازًا، بينما اختار أبطال الفيلم التسجيلي الابتعاد والاستقالة والتحذير منها، بمصاحبة موسيقى تصويرية منتقاة بعناية لوضع مربك وإشكالي كهذا.


"ورطة التواصل" فيلم جيد الصنع لا يؤخذ عليه سوى نهايته الحالمة، يحكي أبدية أزمة الإنسان المعاصر شبه المجبر على استخدام مواقع التواصل ومعايشتها كحياة حقيقية متوهمة وموازية لحياته الطبيعية، ومحاولة التأقلم على وضع حاجز نفسي بين مشاعره الذاتية تجاه نفسه وشخصه وصورته الحقيقية وبين الصورة التي يود الظهور بها. لم يكن عليه أن يدين أشرار يفرضوا سيطرتهم على هذه المواقع بقدر لفت الأنظار إلى رغباتنا نحن ومشاعرنا التي تحتاج لإعادة تأهيل للتعامل مع هذه المواقع بدلًا من العويل على عدم سيطرتنا على الأمور.


صُراخ آخر مماثل وربما لن ينتهي قريبًا في أمريكا تحديدًا والعالم خلفها، قدمه الفيلم التسجيلي الجديد "بعد الحقيقة" في داخله شيء يمكننا أن نلتفت إليه بكثافة أكثر أيضًا نبروزها هنا حتى لا نبدو في حالة دفاع عن عدم أخلاقية المسئولين في مواقع التواصل ونصبح على خلاف جذري مع قضية الفيلم؛ إذا كانت هناك "حقائق أخرى" أو "حقائق بديلة" كمصطلحات يستخدمها هؤلاء في تبرير "خوارزمياتهم" المزيفة ونشر أكاذيبهم، فهذا يعني عدم وجود حقائق من الأساس. ليس هناك حقيقة وحقيقة بديلة، هذه مصطلحات غير دقيقة، فقط هناك "حقيقة" و"كذب". لذلك كل الأفكار التي يقدمها رافضو الفيلم على اعتباره يقدم فقط "حقائق بديلة" هي محض زيف وتلاعب كلامي. الحقيقة غير القابلة للشك هي أن الجميع يتم التلاعب به عن طريق مواقع التواصل من أجل جني الأموال.

تاريخ شخصي للتواصل الملهم

منذ 25 يناير كنت ضمن جيل أكثر حماسة وتسليم للعالم مما أصبحت الآن، آنذاك ظهرت كتابات في صحف العالم غير العربية تتحدث عن عظمة الكاتب شارلي بروكر ومسلسل الخيال العلمي الصاعد "المرآة السوداء" التي تحكي فكرتها المركزية فداحة ومساويء مواقع التواصل التي تنضح خسائر تتضاعف عن المرجو من استخدامها، تبع المسلسل أعمال أخرى غير مهم حصرها تتضمن الفيلم ذذاتها وتصوّر مواقع التواصل كشيطان أعظم، كان ولا زال رأيي أنه عمل شديد الشعبية والمبالغة، لكني على الأقل الآن أدرك وجاهة قراري في سياق حياتي العملية ومجتمعي الكبير؛ إذا كنت تقرأ هذا الكلام الآن فأنت تعلم أن عملي يخرج من على هذه المواقع بشكل أساسي أو مستمر لأسباب هي في مركزه، أغلب معرفتي الشخصية وكثيرين غيري لم تكن لولا احتكاكنا بالمجال العام عن طريق مواقع التواصل ذاتها (تويتر وفيسبوك)، فكنت أرى أنه لا مانع من مشاعية حياتي وأفكاري على مواقع التواصل وليس هناك ما أخجل منه على الإطلاق ولم يكن هناك هذا الهوس والجنون بردود الأفعال على ومن هذه المواقع.


الآن السؤال طُرح بإشكالية أكثر تركيبًا ولا يقف على اعتبار وسائل التواصل تؤثر على قرارات من يجهل تصميمها وما يُراد منها تحديدًا، مع الوقت تطور الأمر ليجعل الجميع محط الاختبار: دائمًا هناك احتياج لشخذ الإعجاب بحياتنا وأفكارنا، دائمًا هناك محاولات لتصحيح خطأ لا يعلم أحد مصدره، دائمًا الجميع يمكنه أن يقول ما يريد في أي سياق يشاء، والغلبة في الانتشار عمومًا -بحسب الفيلم- للحديث الكاذب لأنه يجني أموال أكثر ويجعل الجميع على مواقع التواصل لفترة أكبر من الكلام الحقيقي لأن "الحقيقة مملة".


كنت أتساءل لماذا نفكر فجأة في غلق "الفيسبوك"؟ ما الذي يدعونا لحذف "تويتر" من هاتفنا لفترةٍ ما؟ ربما إلى جانب أنه توفيرًا للوقت ومحاولة للتركيز في عملنا، فهناك أيضًا شعور واعِ -أو غير واعِ- بعدم الجدوى وصعوبة الانتماء لتلك المواقع، مما يجعل في تجاهلها شعورًا بالراحة والسيطرة على مجريات الأمور والبُعد عن الدفاع البائس عن حقائق تبدو بديهية. التساؤل الشخصي هذا، كان بجانب محاولة لفهم لماذا هناك دائمًا أزمات حول الأخبار الكاذبة المنتشرة دون سبب مقنع، الشركات تدرك الإجابة بالفعل، قدمها الفيلم على ألسنة صانعوها؛ كل شيء من أجل لفت الإنتباه الذي يبدو ظاهريًا مجاني دون مقابل وبالتالي تغيير وجهات النظر والمعتقدات لدى البشر، كما يقول الفيلم: إذا لم تدفع ثمن المنتج، فأنت المنتج. ليس هناك ما يقدم مجانًا في الرأسمالية.


كاتب هافنجتون بوست الإنجليزية يقر بأنه لم تساهم التكنولوجيا ومواقع التواصل في حل التعقيدات بأي حال من الأحوال ويعزّي الجميع في افتقاد زمن التسعينات التي كانت بلا مواقع تسببت "في عدم الرغبة في التواصل الحقيقي". يدافع عن ذلك كريستوفر ميمز في صحيفة وول ستريت جورنال معتقدًا أن التصور الذي يشير إلى أن العالم بائسًا والأوضاع العالمية في أسوأ صورة، هو نتاج العديد من الانحيازات المعرفية التي تغذيها زيادة توافر المعلومات عبر مواقع التواصل وليس المواقع ذاتها، وعلى الرغم من انتقاداتهم الشديدة ، فإن الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في "المعضلة الاجتماعية" ليسوا كلهم من المتشائمين، فقط يُقترح في النهاية أنه من خلال التغييرات الصحيحة ، يمكننا الوصول للجيد من وسائل التواصل الاجتماعي دون السيء لكن حقيبة الحلول الشخصية والسياسية التي يقدمونها في الفيلم تخلط بين هدفين مختلفين للنقد: التكنولوجيا التي تسبب السلوكيات المدمرة وثقافة الرأسمالية غير المراقبة التي تنتجها، وبالتالي تحمّلها المسئولية.


مواقع التواصل لم تكن يومًا الشر الأعظم المتسبب في الدمار، كما يمكن أن يُفهم من الفيلم وكما نشاهد ونقرأ بكاءيات يومية تلصق بها كل بلاء وعماء وتنزع مسئولية الإنسان ذاته من الأمر، على ما يبدو أن التعديلات والإجراءات التي يريد الفيلم تغييرها يمكن ببعض التدريب الذاتي تغيير أغلبها دون إلقاء مسئولية نظرتنا للعالم على الرجل الأبيض الجالس بعيدًا ويملك كل شيء، يُسأل في المتبقي منها حكومات الدول الكبرى والصغرى، ملوك العالم الأول والنامي على الدرجة ذاتها، الذين يقفون كمستفيد رئيسي ملاصق لروؤس الأموال من تجهيل ومضاربة وهياج وصراخ لا يعود بجدوى سوى تبرير إحكام السيطرة أكثر خشية فوضى مزعومة.


نُشر في موقع ذات مصر

 
 
 

Comments


bottom of page