تحت الوصاية.. قصة نسائية أم إنسانية؟
- Hossam Elkholy
- 26 أبريل 2023
- 6 دقائق قراءة

اقترب الموسم التلفزيوني الرمضاني عمومًا على الانتهاء، شاهدنا فيه هذه المرة تنوع ملفت الملفتة في عدد ونوع المسلسلات عمومًا، كان مساحة المسلسلات النصف موسم (15 حلقة) التي وجدت مساحة لها أكثر من أي وقتٍ مضى، أوجد كالعادة حالة تباين في الآراء والمتابعة، خصوصًا لتلك المسلسلات التي قدمت قصصها معاناة "نسائية" وجدت طريقها في قلب القصص الدرامية المختلفة. بطولات نسائية متعددة، نحاول في هذا المقال الوقوف أمام تلك القصص، لحصرها، وما يمكن أن يحركها دراميًا وواقعيًا، والبحث أساسًا حول تساؤل القصة "النسائية"، وأخيرًا قراءة العمل الأبرز بينها: تحت الوصاية.
استعراض للأعمال "النسائية"
هذه الأعمال التي تصدرت كونها عمل "نسائي" أحيانًا كانت تصدّر نفسها عن طريق بطلة تحرّك تقريبًا كل أحداثه وحبكته، مسلسل "وعود سخية" على سبيل المثال كانت بطلته "حنان مطاوع" تتصدر كل حركة، يحكى المسلسل قصة الظلم الشديد الذي واجهته امرأة، اسمها سخية كما هو واضح، في الحقيقة بدا أحيانًا ظلم دون سياق واضح، ابتزاز عاطفي ربما يراهن على التعاطف مع إمرأة، إذ تتعرض سخية إلى كافة أنواع الظلم، المادي والمعنوي والوجودي، كانت أحيانًا تصل إلى إضاءة المشهد الذي تتحدث فيه بشكل غير جيد، تتحول شخصيتها تدريجيًا، وتبدأ رحلة شخصية للانتقام ممن ظلموها وتتخلص من فكرة المرأة المغلوبة على أمرها.
سخية، تسبح في عالم استباحها، أوجدها كخادمة أساسًا، شاهدت خلاله الذل، أحبّت رجل شك في شرفها، وأصدقاء وأهل لم يهتموا بها، ولم يعد لديها سوى التعامل كثعبان مع الجميع، والبكاء ليلًا على الحياة القاسية وما تفعله "في النساء مثلها"، يبدو وفق رؤيتها أو رؤية المسلسل أنها تخص النساء فقط في مجتمعتنا تحديدًا.
مسلسل آخر بدأ مع الموسم الثاني 15 حلقة هو "تلت التلاتة" الذي تُجسّد فيه "غادة عبد الرازق" ثلاث شخصيات توأم تتقاطع قصص حياتهن بين الظلم والسعي للحياة الطبيعية، تأتي بشكل أقل مظلومية هذه المرة من "وعود سخية"، عندما تدفن الفتاة زوج أختها حيًا في أول الحلقات، انتقام شرس لا يرحم في مقابل حياة "على النساء" تحديدًا خلالها أن تكون شرسة كغادة عبد الرازق في الحلقات.
ثمة مسلسل آخر يستحق احتفاء أكبر من كل ما سبقه كان من نصيب عائلة العدل للإنتاج والكتابة، كان مسلسل "عملة نادرة" الذي قامت ببطولته "نيللي كريم"، يتناول حكاية إمرأة صعيدية تضطر لخوض حرب ضد عائلة زوجها الراحل من أجل الحصول على حقها في الميراث، نيليي في السنوات الأخيرة تصدرت أعمال مناصرة "المرأة"، كانت من أبرز الممثلات اللائي قدمن أدوار تُناقش قضايا نسوية إجتماعية في أعمال مثل "ذات" و"سجن النسا"، وفي العام الماضي قدمت دور إمرأة مُطلقة تُحاول الحفاظ على حضانة إبنيها، والنجاة من تنكيل طليقها عصبي المزاج في مسلسل "فاتن أمل حربي.
هذه المرة ترفض قيود "عبد الجبار" حماها المسيطر على كل شيء حتى زوجها، وتسعى رويدًا للخروج من دائرة السيطرة، نعلم مع الوقت أن لديها حساب قاسي مع تلك العائلة التي قتلت والدها، جاءة نادرة هذه المرة للانتقام من أول لحظة، قبل أن تخوض الرحلة حتى، كان الانتقام حاضرًا منذ الطفولة التي شاهدت فيها عبد الجبار يقتل أباها.
هناك أيضًا مسلسل "ستهم" الذي تحكي فيه روجينا دور ستهم اسم وصفة: إمرأة مات زوجها وأحاطتها هموم ومشاكل الثأر، لكن الشخصية تُحاول تجاوز العقبات الإجتماعية التي تُعاني منها كإمرأة صعيدية تعيش في مجتمع يعامل المرأة ككائن من الدرجة الثانية، ويبرر للرجل الإستيلاء على ميراث المرأة، ولأن ستهم تجد نفسها وحيدة، وبلا ميراث أو عمل في عالم يُسيطر عليه الرجال وقوانين الثأر تقوم بالتنكر في هيئة رجل وتسعى للحصول على فرصة عمل، قصة حقيقية أعادها الكاتب ناصر عبد الرحمن والمخرج رؤوف عبد العزيز للعالم الفني.
على سبيل المثال في وعود سخية، ترى سيدة تتعرض للظلم، عمومًا، لديه عدد وافر من العبايات الشعبية لحنان مطاوع، التي يحملها الظلم على الانتقام. وعملة نادرة، مثل سابقه تأخذ بطلته اسمها من العمل الذي يقف عليها كوتد ومحور للأحداث، سيدة يقتل زوجها تتعرض للظلم المبرر دراميًا لزمن متجاوز نسبيًا، لم يعد موجود تمامًا، تعود خلاله نادرة التي يحملها الظلم على الانتقام. ستهم، اسم واحد هذه المرة، للعمل وبطلته كذلك، تتعرض للظلم من الأهل ويحملها ذلك على الانتقام. تجعلنا تلك المراجعة نفكر في أن نهاية كل عمل كان يأخذ رحلته من الانتقام ذاته، وربما يمكن تقديمه كذلك ليس كقصة نسائية، بعيدًا عن ذلك التصنيف غير الناضج، هي مجرد قصة للانتقام بطلتها إمرأة، يعتمد على كونه "نسائي" للترويج، لكنه يبدو أنه قصة سيئة في العموم.
لدينا أعمال أبطالها درامية، يتم التركيز على كونها أعمال "نسائية" دون داعي، أو ربما يبقى هذا التصنيف معطل لكونها دراما للجميع، أو يحملها تصنيف فئوي مثلما نرى مسلسل "ذكوري" أو ما إلى ذلك.
"تغيير جو" من هذا الانتقام المتكرر
بالقرب من كل هؤلاء جاء بشكلٍ هاديء مسلسل "تغيير جو" لمنة شلبي، الذي حاول أن يحكي قصة فتاة تحاول بيع منزل العائلة وتجد نفسها عالقة في بيروت بعد سرقة حقيبتها، حياة مشتتة تعيشها البطلة، هادئة ومربكة في الوقت ذاته، منزوعة الأحداث فعلًا، لكنها في قلب عالم فتاة تعيد تشكيل ذاتها أساسًا، فتاة توجد لحياتها قرار يخصها تتساءل بخصوصه، تمامًا كما كانت تتحرك (مي عز الدين) في مسلسل سوق الكانتو، عالم الرجال التي تحاول هذه الفتاة أن تجد لنفسها مكان فيه في زمن غير الزمن الحالي.
لم يقدم العمل نفسه كمسلسل "نسائي" وربما لا يملك الحبكة الانتقامية ذاتها التي تصارع فيها مرأة المجتمع، بالرغم من كونها تصارعه بشكل لا يحمل أيًا فجاجة، كان أكثر درامية، تخلص من تصنيفه المعطل، وبالتالي كان أفضل في العموم.
في مقابل حروب الانتقام في الأعمال التي صنفت كأعمال "نسائية" كان ثمة مساحة لشيطنة الأطراف الأخرى التي تواجه بطلة العمل أيًا كان، على كافة الأصعدة/ ليصبح التعاطف مع البطلة/ المرأة ربما شيء إجباري، ويفقد بذلك دراميتها على حساب ذلك التعاطف المضمون، الذي يتقدمه أساسًا الاستعداد للتعاطف مع المرأة/ البطلة في المسلسل، دون سبب واضح، كان ما يميزها فقط هو أبطالها النساء، مجرد فتاة لا يمكن فهم القصة دونها، تمامًا مثل الانتقامات القديمة للفنانة نادية الجندي، بالتأكيد يقلل ذلك من درامية العمل الذي يحتاج الإشادة.
تحت الوصاية.. لماذا كان الأفضل؟
الأنجح بين تلك الأعمال كان مسلسل "تحت الوصاية"، لماذا أو ما الجديد الذي جعله كذلك ولم يجعله مجرد عمل "نسائي؟ أولًا لم يضع اسم بطلته كعنوان للعمل. هل يرمي ذلك لشيء؟ إلى حدٍ كبير، لم تعد تلك السيدة محور الحدث قدر فكرته الأشمل التي يحاول الجميع العمل عليها، بينما كانت قصته هي القصة ذاتها التي قررت ستهم ونادرة وسخية أن تُخاض: إسقاط الوصاية من الأهل والمجتمع والتصرف بحرية كاملة سواء على أنفسهن أو عن أولادهن، بإحالات مختلفة بالطبع، في حالة حنان (منى زكي) في تحت الوصاية، دون أن تخوض معركة مباشرة للانتقام، تبعتد حنان لخلق حياة جديدة لها وأولادها بينما نشاهد انتقام الآخرون ومحاولة إعادتها والسيطرة عليها وعلى مال زوجها المتوفي.
يروي المسلسل قصة حنان: أرملة وأم لطفلين تهرب من منزل أهل زوجها، لتجد نفسها مضطرة لإيجاد عمل لإعالة نفسها وطفليها. تشق حنان طريقها إلى دمياط، حيث تقرر العمل على قارب زوجها الراحل لصيد السمك، كل ذلك بينما تحاول منع شقيق زوجها من العثور عليها وأطفالها. يمثل المسلسل نافذة على عالم النساء الأرامل وصراعهم مع المجتمع الذكوري والقوانين التي تعقد مسائل الحضانة والوصاية على الأطفال.
على عكس الأعمال الأخرى قرر الصناع (الأخوان دياب للكتابة ومحمد شاكر خضير المخرج) الذهاب بعيدًا بالقصة والبطلة، في مدينة بعيدة، هادئة، ساحلية، لحكاية هذه القصة، التي تعيد التساؤل الذي يخص المصطلح المعطّل للقصة النسائية أو غيرها، فقط لأن القصة الجيدة هي قصة إنسانية عمومًا يبعد تعريفها كقصة "نسائية" فقط.
العمل الفني الجيد كما أثبتته القصة هو عمل فني لأنه يملك قصة ذكية وصادقة تم التفكير في تقديمها كقصة متماسكة وطموحة في أنسنة الجميع للوقوف والتساءل حول أحقية (إنسان) إمرأة مقهورة للوقوف أمام تساؤلات القانون الذي ينصف أحد على الآخر.
لم تمر الحلقات الأولى قبل أن يقف العمل لتبرير سعي الأخ الأصغر للزوج المتوفي (دياب) على سعيه لإعادة المركب أو إعطاء الزوجة أموال أقل، ليتم زواجه الشخصي من الفتاة التي يحبها، مبرر درامي يقلل شيطنته، ويورط المشاهد الذي اعتاد المضمون في القصص الأخرى.
درس إخراجي يديره شاكر خضير في الاقتراب بكاميراته من الجميع للمراقبة، نظرات الولد الغر الذي لا يرى سوى سعيه لتوفير نفقات الزواج، حيرة زوج الأخت (علي الطيب) المستسلم الذي لا يريد غير زوجته التي يحبها ويمكنها التنازل عن كل شيء حتى أختها مقابل أن يضمنها في سريره، والأطفال المجبرين على حبسة المنزل في انتظار رحلة الأم لبناء عالم جديد على ذراعها.
الكل هنا يتحرك، ونتحرك معه، تأخذ البطلة مساحات أقل مقارنة بالأعمال "النسائية" الأخرى، لكن الجميع يتحرك وفقًا خطوات قدمها، سواء أدركت ذلك أو لم تدركه، وربما لذلك كانت قصة أكثر إنسانية وبالتالي يتعاطف معها النساء والرجال، وفق منطق.
تحت الوصاية، ليست قصة نسائية، هي إنسانية تسعي لحكاية حدوتة إمرأة يحبسها القانون، اختارت المعركة الأذكى، مع القانون المسيطر أكثر من الذكور، فتح الباب للدراما والقصة، فأوجد تعاطف وخجل من الإجحاف النسائي والرجالي، بات إنساني أكثر من كل الأعمال التي وُضعت معه في الإطار ذاته دون وجه حق.
تطرح تساؤل أوسع حول سذاجة فكرة العمل النسائي والعمل الرجالي، ولماذا يمكن إطلاقه أساسًا؟ لو كانت القصة تحمل ذاتها يمكن اعتبارها مجرد قصة بطلتها سيدة، دون الإشارة التي تفصل وتقف في معركة دون سياق، فقط لأننا لم نقل يومًا قصة رجالية -باستثناء طبعًا لو احتاج الأمر- لم يعد من المنصف تلك الإشارة، قصة إنسانية أكثر من كونها قصة نسائية.
Opmerkingen