تدوينة شخصية من قلب الكواليس الرمضانية
- Hossam Elkholy
- 18 أبريل 2023
- 6 دقائق قراءة

"لو كنا مؤمنين بالرب أو غير مؤمنين، للإنصاف أصبح علينا أن نقول من الآن هي الله كما نقول هو الله"، دا كان تعليق من وحي تحليل فيلم "نسائي" يؤيد أن الظلم للنساء موجود مع فكرة الخلق والرب، الذكر، وهي مدرسة تتوسع عمومًا، قالته زميلة استرالية في محاضرة كاتب إنجليزي عجوز بحبه وبتعلم منه، وأحب من خلالها أتكلم عن حاجة معينة في موسم رمضان، حاجة حبيت أفكر فيها بصوت عالي، السنة دي تتابعات الكلام والتقسيمات للأعمال ملفتة، وهي إنه بقى يقسّم الأعمال الطبقة (أغنيا وفقرا) والجندر (رجالة وستات، لغاية دلوقتي معندناش غيرهم فمشكلتنا أقل من بتوع بلاد برا)، سواء في وصفها أو تحليلها أو ترشيحها، وتحديدًا الاشتباك والنقاش على بناءها أو لا بناءها للدقة، والاكتفاء بذلك، عندنا أعمال أبطالها نساء، بتتصنّف تعريفيًا بشكل غريب إنها نسائية، وهو شيء ممكن ميتقالش أساسًا، ممكن نقول مسلسل كذا، ونسكت مش عارف إيه وجه تمييزها اللي بيصر يتكتب، مقابل أعمال ذكورية، بردو.
مثلًا على موقع المنصة كتب أحمد شوقي علي مقال عن جعفر العمدة، اللذيذ الرجعي، الذكوري، وكتبت أنا مقال عن تحت الوصاية كانطلاقة لفكرة العمل الفني النسوي وليه بيقلل هذا التصنيف منه مش بيضيف بمقارنته بالأعمال "النسائية" الأخرى، ومن الشجرة والتفريعة دي كنت بفكر مش بس عن تقييم نيللي عملة نادرة وحنان مطاوع وعود سخية وروجينا ستهم أو حتى مي عز الدين سوق الكانتو، مقابل محمد رمضان أو أحمد العوضي أو مصطفى شعبان، أو عمرو سعد، بين الذكوري والنسائي، لكن عن فكرة الانطلاق من المعنى دا للمشاهدة والملاحظة والمناقشة، يعني مساحة المناقشة لازم تقف على وتد الجندر والطبقة، حاجة تانية مكملة مثلًا بتقول إن الهرشة السابعة لا يمكن استيعابه دون فهم مساحات "طبقة" بعينها، أو إن جعفر العمدة بردو باعتباره الأشهر يفسر من خلاله طبقة/ قاعدة جماهيرية بعينها، بيمثلها رمضان العمدة زي ما بيمثلها شريف في الهرشة السابعة، وبالمناسبة لو اتشهر بابا المجال أو الأجهر وغيرهم وراحوا في النقاشات كانوا هيدخلوا نفس الدخلة اللي تخص النوع والطبقة.
أغلب الوقت حاسس إن النظرة دي محدودة، لكن السنة دي بقى عندي إحساس إنها معطّلة كمان، كلهم لا يمثّلوا أي طبقة أو نوع حتى لو الطبقة والصعود والتواجد ممكن من خلالهم يفسر تعلق قطاع كبير بالقصص فهي لا تقدم وجاهة، ولو حتى فكرة الاختلاف دي حاولنا نحتكم فيها لفلاسفة زي باتي ولفيناس وأغلب شباب ما بعد البنيوية مكنتش حاسس إنه ممكن نكتفي بدا خالص، واللي تفسيرات الأغلبية جاية من فلسفتهم دي حتى لو بدون وعي، ولو وضع خلفيات الصنّاع نفسهم وثقافتهم جزء من العمل فالحقيقة الآخرية إنه المسلسلات دي كلها تحتكم، بلا استثناء واحد، للانتقام، بكل صوره، ولا مسلسل ذُكر لا يحمل في رحلته سعي كامل للانتقام، مؤسس ومحرك للتحليل البنيوي وما بعد البنيوي حتى، صناعة حكاية، ما، أيًا كان سياقها، فيها رحلة انتقام، أبعد من الجندر والطبقة.
علشان كدا حاسس إن مفتاح الحوار ممكن تبقى من فهم السُلطة أكتر من أي حاجة تانية، السلطة المتجاوزة للطبقة والجندر، اللي فيها مستويين: واحد معرفي بتورّط المشاهدين مع القصص الساذجة وكشف خيوطها من أول لحظة وبالتالي معرفتهم/ سلطتهم في الحكم وتدرج الحدث، وسلطة البطل نفسه وحركته واللي جزء كبير منها محتاج يتبني من ثقة قديمة وحديثة، ويمكن علشان كدا في جزء ممكن يتفهم من انتشار رمضان عن العوضي وعمرو سعد ومصطفى شعبان، ثقة في سيطرته، في سلطته غير المحدودة، مش في طبقته ولا طبقة جمهوره، المتفرج طول الوقت يملك السلطة المعرفية بالطيب والشرير في المسلسل، بجانب تخيل السلطة اللي بيتمتع بها البطل وصعب جدًا تحقيقها واقعيًا إلا لو كنت ربوي زي الأستاذ جعفر، نفس السلطة في إنك تبص من بعيد ع الهرشة السابعة وحوارات المساكنة والملل الزوجي في مسلسل عربي بالجرأة دي، الحالتين سلطة يفتقدها الجمهور، في الواقع والمجاز، والأحلام حتى.
طيب في رحلة المسلسلات الدرامية الأبعد من الكوميديا واللايت فيه عملين تحديدًا ممكن أكون فكرت فيهم أكتر: مسلسل تحت الوصاية ممكن يبقى صعب تنطبق عليه فكرة السلطة، ظاهريًا، لإنه في النهاية لا يملك انتقام طبيعي، يمكن علشان كدا كان أفضل دراميًا، رغم إنه يحمل أخطاء سيناريو أكتر من معظم المسلسلات الأخرى، لكن فيه فكرة إنسانية، متجاوزة للنوع حتى مع إصرار جمهورها، ومخرج ذكي يتحمل أخطاء مكتوبة، وحدوتة رابطة نفسها بصراع انتقامي متجاوز، انتقام من القانون، مش الأشخاص، قافلين ع الممثلين في مكان بعيد، هادي بكاميرا قريبة من الجميع الطيب والشرير، بيتحرك الحدث كل مرة علشان يقفل على إجبارية إعادة النظر للقانون اللي بسببه واحدة ست، مش قادرة تتنفس، بالرغم من حياتها اللي ع البحر، مجرد حياتها المكتومة هو انتقام لمشاهد يرهقه هذا العالم المغلق، يخنقه، ولذلك قبل ما ينتهي لو نجح في إعطاء سلطة واقعية بنجاح منى زكي هيبقى أفشل من كل ما سبقه، على الشر الأخ الأصغر دياب أن ينتصر ليغضب الناس بدل التسكين المغفّل، فممكن نتنازل خلاله بردو أولًا عن اعتباره عمل نسائي، لإن دا توصيف مش بس جاهل، هو معطّل للتفسير، ودا الأخطر.
ثانيًا بإنه عصارته انتقامية، من سُلطة، أو من السلطة، الوحيدة، التي تحرك كل عمل، قبل تقديمه لجمهور بسيط، بحيث تتحرك كل خطوة في إتجاه يجعل المناقشة كلها، ساذجة: دي واحدة ست بتحب راجل غير جوزها، ودول نفسهم يعيشوا سوا من غير علاقة محكومة، ودا بيدور على ابنه، مع إنه بصة سريعة للأعمال دي مش هنلاقي دا محركها الأساسي طبعًا، حتى اللي حبوا العمدة اتريقوا على سذاجة عدم معرفة ابنه اللي قدامه، وصراخ نادين المتكرر دون سياق الذي يكاد يسمع فيه صوت ورشة مريم نعوم، وحيرة آدم وعينيه في ضياع هويته وسلطته في بيت، سلطتهم اللي بيحاولوا طرحها في سكتشات الهرشة السابعة الأبعد من كونه عمل درامي متماسك.
علشان كدا في رأيي كانت خناقة على مساحات السلطة للأفراد والمشاهد، في كل الأعمال، دون استثناء واحد، وفي جمهور يريد حدث، مهما كان عدم أهميته أو عدم منطقيته، يملك سلطة للحديث والتفاعل معه ومن خلاله، حركة وسلطة في مقابل لحظة تاريخية صعبة لا يملك فيها أي مشاهد عربي مهما كانت طبقته أو نوعه أي سلطة تذكر، قسوة يستحيل تقبّلها أو التفاعل من خلالها، وبالتالي تصبح نصف الحقيقة (النوع والطبقة) هي المحرك لأعمق الأحاديث السطحية، ويمكن دا اللي بيخليني أفكر ليه ممكن ميقبلش عدد كبير مسلسل تغيير جو اللي لا يمكن اعتباره نسائي أو طبقي، مستحيل، أو حتى يملك حدث درامي محرك.
كنت بفكر ليه مع نهاية الموسم هو مسلسلي المفضل وملقتش غير إنه أبعد من المساحات دي، إنسان (ست) مشتت متورط في حاجات وجودية وعملية متجاوزاه، نفسه يعيش حياة طبيعية، بدون ما يعرف دا هيحصل إمتى وإزاي، وبدون مشكلة كبيرة تحركه، كلها حاجات معطلة مش بنائية، لا يوجد فيه فرد واحد يملك أي سلطة أو قرار على حياته، شتات يصعب التعايش معه من فرط عاديته، رحلة طويلة كاملة من اللا حدث، تورّط ممل في قلب أسئلة بتعيد نفسها بدون حركة ظاهرة.
لو فيه رحلة بنيوية كاملة، من صناعة أعمال هذا الموسم، وكواليسه المرعبة، التي لا يمكن حكاية بعضها حتى، للخوف والخطر، وقبول قصصه، وثقافة جمهوره، ممكن ننطلق من خلالها، فعلًا، هتبقى السلطة، فقط، فقدانها، وتوهم حدوثها، في كل عمل، في لحظة من الغباء نبعد فيها اقتصاديًا وسياسيًا عن ما يحدث لنا وللآخرين لإنتاج أعمال فنية ترفيهية تحاول خلق حالات بديلة للحياة الراكدة المهزومة. السلطة السابقة لصناعة هذه الأعمال واستبعاد أي شيء قد يخلق كلام قاسي وأكثر واقعية والأخرى التي توجه الأحاديث بشكل مشروع وغير مشروع في مساحات نقاش على الجميع التواجد فيه، أو الاختفاء بعيدًا عنه، جزء من الحقيقة تدعي أنها تقول شيء لكن تفتقد لتصور بنيوي حقيقي. ولذلك العمل المقتبس الأكثر وضوحًا للجميع لاعتماده على قصة "انتقام" مسلسل رشيد المقتبس عن الكونت دي مونت كريستو كان جيد في المحاولة سيء في التنفيذ، فقط لأنه لا يمكن أن يبني عالم درامي ظلامي لتشابكات وصراعات الحياة المستقرة التي أصبحت أكثر ارتباكًا من كل شي حولها لكنها معبره عنه، الظلم والسرقة والنفوذ، والسلطة التي لا يمكن الحصول عليها دون تلاعب، هل يتحملها المجرم؟ أم تتحملها البلد التي تسهل هذا بالخوف والمصالح ووهم الاستقرار.
طيب هل تفسير الطبقة والجندر بيتعارضوا مع تفسير السلطوي؟ لا. هل تفسيرهم كدا غلط؟ مفيش غلط وصح، كنت بفكر إنه معطّل، يعني لإنه مفيش معنى للوقوف قدام عمل غني أو فقير وست وراجل لو مفيش مبرر أو ضرورة طبعًا، هيبقى مفيش إنتاج جديد من المناقشة، لكن تفسيرهم من خلال سلطة إنتاجهم واستقبالهم ممكن يخلينا نقف على مساحة فهم أوسع وأنضج، مين يستفيد بشكل مباشر وغير مباشر من الغرق في نقاش سهل ولذيذ ورجعي ولا يعني أي شيء، مجرد هواء، تسلية للصيام وقتل للوقت، دا المهم، بالظبط زي إنه الأهم من تأنيث الرب بدل تذكيره هو التساؤل الحقيقي عن فكرة وجوده وإيه معنى وجوده أساسًا وإيه اللي هيترتب لو وافقت بوجود ربنا، وإزاي دا ممكن يفرق في نظرتنا للدنيا وللمباديء والمصالح والوجود والناس، الإله وخلوده وسلطانه وسُلطته المتجاوزة لكل سُلطة، ونظرته إلى حيرتنا وضعفنا ووحدتنا التي لن يفهمها غيره، وحتى حكمته غير المفهومة من غياب الحكمة عن الأرض وعن أغلب البشر، ورحمته التي وسعت كل شيء، كل شيء حتى أداء الفنانة ريهام حجاج معدومة الموهبة في مسلسل جميلة القبيحة.
في مرة من حوالي ست سنين كنت في قعدة فيها الفنان إسلام شيبسي، كان الكلام عن المجتمع والرجالة والستات وهو مش فاهم حاجة، في عز شهرته في عالم الموسيقى، وكانت ساقية الساوي رافضة دخوله يعمل حفلات كأزمات طبقة هو بيمثلها يعني، وأنا كنت مشغول جدًا، وكنا الوسيط بين الأستاذ عبد المنعم الصاوي وهما، طبعًا محصلش أي حاجة، إتقال سرسجية فقرا وبتاع، ولا يليقوا بالساقية، المهم هو وقتها عامل أرقام كويسة ومطلوب، والمخدرات قافلة عينه أوي، كنت باصصله وبضحك علشان باين عليه مش طايق الكلام ومش فاهمه، فقلتله إيه رأيك في موضوع الرجالة والستات دا؟ قالي بيضحكوا عليكوا يا أستاذ حسام، قلتله هما مين؟ قالي مفيش حاجة اسمها رجالة وستات، قلتله أومال احنا إيه؟ قالي احنا في كوكب النمل، ركز كدا مش هتلاقي رجالة وستات فيه نمل بس. قلتله حاضر يا فنان، بعدها طلبت صورة تذكارية معه، وكان قدرها أن تصاحب الصورة هذه التدوينة للمعنى والمجاز.
Comments