top of page

aboutMe

Egyptian writer and photographer, graduated from the Faculty of Media and Communication Arts, Radio and Television Department, interested in writing in philosophy, literature and film criticism.

الإسماعيلية السينمائي.. الهروب من الماضي أم إليه؟

  • صورة الكاتب: Hossam Elkholy
    Hossam Elkholy
  • 26 أبريل 2023
  • 5 دقائق قراءة



هل ينبغي أن نثق في ذاكرتنا؟ في كتابها The Memory Illusion تتحدث الطبيبة النفسية جوليا شو عن عدم موثوقية الذاكرة. مستعينة بآخر أبحاثها، توضح شو السبل العديدة التي يمكن أن تستخدمها ذاكرتنا في التلاعب بنا، بدءًا من التجربة المزعجة لكن غير المؤذية، للسير داخل غرفة ونسيان سبب ذلك، إلى المواقف المحرجة لنسيان اسم شخص ما التقينا به مرات عديدة، وصولا إلى أخطاء أكثر خطورة تسببها ذاكرة معطوبة. تستعرض الطبيبة النفسية أسباب الانقضاض على ذكريات أشخاص آخرين وإقناع أنفسنا أنها ذكرياتنا، أو كيف يمكن غرس ذكريات كاذبة في أذهاننا عن عمد. يتعمق بحث شو أيضا في التداعيات القانونية للذكريات الكاذبة استنادا إلى أبحاث أخرى بارزة مثل تلك التي أجرتها عالمة النفس الأمريكية إليزابيث لوفتس والأكثر أهمية من ذلك، أنه يضفي الحكمة على كيفية تحسيننا لذاكرتنا عبر الانتباه إلى إمكانية أن تخطئ، يدين هذا الكتاب المهم الذاكرة في مقابل نظريات لا تحصى تعتمد على الذاكرة وما تحمله في إنتاج فهم أوسع للماضي والمكان، من كل ذلك لديّ سؤالين، الأول هو هل تنطبق نظرية الذاكرة عمومًا على الذات والمجتمع أيضًا ما يجعلها تنتج تفسير سياسي وفلسفي؟ والثاني يتراجع بعيدًا عن الكتاب لمحاولة فهم ما الذي يخصنا من كل ذلك أثناء الحديث عن مهرجان سينمائي؟


بعيدًا عن القاهرة وزحامها المستمر، في الشوارع وداخل الرؤوس، أٌقيم المهرجان التسجيلي الوحيد الذي تنظمه مصر للمشاركة في عالم الأفلام التسجيلية الطويلة والقصيرة إقليميًا وعالميًا في مدينة الإسماعيلة الساحلية، تبدو مفارقة هذا المقال من لحظة النظر إلى مكان إقامته والإنتاج المعروض من خلاله؛ هو مهرجان للأفلام التسجيلية التي توثق ما حاول الزخم والزحام العام أن يتناساه أو يطرحه سريعًا دون سياق أو بعيدًا عن الحقيقة، يعرض هذه الأفلام التي تتساءل عن الذاكرة في مدينة منسية نوعًا ما، هادئة أكثر مما يبدو، تبدو خارج الزمن لو حاولت مقارنتها بمصر، وربما في ذلك ما ينتج تساؤل حول الذاكرة والمكان.


تأكدت الفكرة التي حاولنا الانطلاق منها عندما قابلنا محمد شعير منسق معرض فني على هامش المهرجان "ذاكرة المكان" الذي يعرض 40 لوحة لـ20 فنان فكرتها الأساسية تتركز على الذاكرة وعلاقتها بالسينما وكذلك صورة المدينة، وكيف يمكن أن تتحول السينما إلى وسيلة لتوثيق المدينة وعالمها من أماكن عامة وحدائق تحمل طابعًا خاصًا وتعد رمزًا في الوعى البصري للجمهور مثل حديقة الحيوان بالجيزة، بالإضافة إلى تأثير بعض المشاهد السينمائية على ذاكرة الفنانين وذلك من خلال إعادة تشكيل المشاهد المؤثرة في السينما من خلال لوحاتهم في المعرض.


وربما انطلاقًا من فكرة الذاكرة والماضي يمكن الحديث عن بعض أفلام تلك الدورة التي تتعمق في تناول الفكرة وتعبر عن السينما التسجيلية في العموم لتبدو شاهدة على المدينة التي لا تظهر في الخطاب العام سوى في الأحاديث عن قناة السويس وفرعياتها بالرغم من كونها تمتلك طابع استثنائي يتواصل مع ماضي بدأ منذ تواجد محمد علي وأسرته وبناء مجتمعات كوّنت فكرتنا الذاتية عن المدينة وشاهدة على نموذج فيلمي جسّد الماضي في تنويعات: مدحته وقبّحته، عاملته باستهتار أو حمّلته فوق طاقته.



دورة عامرة بالأفلام والذاكرة

مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة يقام بإشراف الدولة عن طريق المركز القومي للسينما، وربما يعتبره السينمائيون من أهم المهرجانات المعنية بهذا النوع من الأفلام وأحد أعرق المهرجانات في العالم العربي الذي بدأت أولى دوراته عام 1991، يشارك في المهرجان هذا العام نحو ١٢٣ فيلم من ٥٠ دولة تتوزع بين: ١٦ فيلم تسجيلي طويل، ١٤ فيلم تسجيلي قصير،٢٠ فيلم روائي قصير، ١٨ فيلم تحريك، ١٧ فيلم من أفلام الطلبة، ٤ أفلام للمكرمين و٥ أفلام ضمن برنامج الأفلام العابرة للنوع، ١٧فيلم في برنامج الأفلام القصيرة جدًا، ٤ أفلام في برنامج أفلام البورتريه بالإضافة لفيلمين خارج المسابقة أيضاً يحتفي المهرجان بالسينما الالمانية ضيف شرف هذه الدورة من خلال عرض ستة أفلام.


من هذه الباقة المختلفة اختارت المنصة عدد من الأفلام التي تندرج تحت ثيمة التساؤل الفلسفي "الهروب من الماضي أو الهروب إليه" كيف يمكن أن يقدم التساؤل أو الفكرة في إطارات مختلفة من الحبكات التي تبدو عاطفية وإجتماعية على كل حال.


"أم" في "حياة مثل غيرها"

الفيلم التسجيلي الطويل "أم" القادم من فرنسا للمخرج ميشيل بانديلا الذي تدور أحداثه من خلال تسجيلات ومحادثات أرشيفية بين اثنين من الأمهات، يبحث مخرج الفيلم الذي نشأ في دار رعاية لمدة تقترب من 17 عشر عامًا، يتساءل الشاب عن إجابة لتساؤلاته عن طفولته حتى يحصل على غد أفضل، يقول بوضوح "أحتاج أن أفهم وأحاول أن أضع القطع بجوار بعضها البعض، ربما أحصل على صورة للعائلة؟" وهكذا انطلق من ماضيه لصناعة سينما تبدو ذاتية لكنها تشتبك مع تصورات أخرى تخص المشاهد الذي يمكن التساؤل عن ماضيه.


في حواره مع المنصة يقول المخرج أنه منذ كان يبلغ من العمر خمسة عشر عامًا كان يقوم بالتصوير بشكل شخصي إلى جانب الصور التي كانت يقوم بتجميعها من العائلة وكل هذة المادة المصوره قام بتجميعها بالفيلم، والمشاهد التي اعتمد عليها أيضا كان اغلبها مع والدته، جاءت فكرة الفيلم من خلال محاولته لإكتشاف علاقته بوالدته والتي اوضعته لينشأ وسط أسره حاضنه من خلال محاولته لإكتشاف أسباب ذلك دون رغبته في محاسبتها.


بين أمه التي ولدته والأخرى التي قامت بتربيته يطرح المخرج فيلمه كمحاكمة طويلة على كل طفولته التي لم يكن يملك التحكم فيها، يضيف بشغف كبير ولغة إنجليزية واثقة "حاولت أن أُخرج مشاعري في الفيلم من داخل بطني وأحشائي كي يشعر بها المشاهد كما شعرت"، ويضيف أن العلاقة الاسريه تختلف بشكل كبير ما بين النظرة الأفريقية والغربية حيث أن النظرة الأفريقية تقدس مسألة العيلة عكس النظرة الغربية التي تنظر إلى ذلك بشكل أكثر تحرر، وهو ما وضعه في حيرة شديدة من ذلك

استولت الموسيقى المصاحبة للفيلم على قدر أكبر من الاهتمام بالنسبة للمخرج وربما أنسته نسبيًا من ضبط إيقاع القصة ذاتها بشكل أكثر تمكنًا، باتت قصة مذهلة لكن مترهلة نوعًا ما، تطرح تساؤلاتها عن الذاكرة والماضي وكيف يمكنه أن يشكل مستقبلنا مهما حاولنا الفكاك من أسره عقليًا ومجتمعيًا بالذهاب إلى آخر العالم. تتحكم الذاكرة في كل تفصيلة فيه.


إلى جانب هذا الفيلم جاء فيلم "حياة مثل غيرها" الذي يوثّق حياة أب يخلد أيامه مع أسرته من خلال تسجيل كافة اللحظات المرحة، مهما بدت روتينية أو ربما تافهة أحيانًا، لوهلة تبدو حياة برّاقة وحميمية سعيدة، لكن تنقلب الأمور عندما تعود الابنة في يوم لتشاهد نفس هذه التسجيلات بعين مختلفة، حيث ترى وجه جديد لأم عانت.


على مسافة تبدو ساذجة يعيد الفيلم النظر للمشهد العائلي بعيون مختلفة، وربما بحميمية زائدة أو تحامل نسبي يتحول الأب في نظر العالم الفيلمي الصغير إلى مسيطر كانت نظرته خادعة سواء بإرادته أو دونها.

في المرة الأخرى كنت أشاهد فتاة ترى أم تفقد حريتها وسعادتها في كل مشهد، أتساءل هل تبدو فعلًا حياة الأم وماضيها وذكرياتها أم تاويل وإسقاط شخصي تحمله الابنه على عالمها الصغير لأسباب تخص حياتها لا تخص ماصي والدتها؟ هل يبدو الماضي هنا كيان يحتمل كل ما يُترك فوقه؟ وربما لم أصل لإجابة واضحة.

إنتاج الخطابات التأويلية التي تعتمد على نظرتنا إلى ماضي أشخاص آخرين مهما كانت درجة قربنا أو فهمنا لهم، تبدو أحيانًا مستهلكة ومنتجة لغضب المشاهد وأخرى محفّزة للحيرة حول الثقة في شعورنا نحو هؤلاء القريبين وفي مشاعر وأشياء تجاوز الزمن حكيها وأصبحت غير واضحة حتى لو قرر أصحابها ذاتها سردها، بين متاهة تلك المشاعر يعيش المشاهد في "حياة مثل غيرها" حياته الخاصة، ربما ليقتل الاستثناء بين كل الحيوان ويخرج بالتساؤل الأصيل حول جدوى الماضي والذاكرة حتى لو لم يستطع الإجابة عليه.






ذاكرة أخرى في مدينة منسية

إلى جانب هؤلاء كأكثر الأفلام تميّز لتقديم ثيمة الذاكرة في المهرجان الهاديء مثل المدينة المنسية التي أقيم فيها، جاء فيلم طحطوح الذي يحكي قصة تحدث قبل نحو ثلاثة عقود قرر سكان قرية بأعالي الجبال الجزائرية هجر ذكرياتهم وترك منازلهم بعد تذبذب الأمن فيها بسبب الإرهاب فكانت العشرية السوداء تسعينات القرن كمحطة فاصلة في حياة أبي عمي حسان المدعو طحطوح للتخلي عن ذكرياته أو ربما للبناء عليها.


أيضًا كان هناك فيلم "الأشياء التي لا تعريفنها عني يا أمي" الذي يحكي قصة مجموعة من المتناقضات التي يضعها الفيلم أمام المشاهد من خلال علاقة أم وابنة، تكشفات عن حجم التضاد بين الديكتاتورية والحرية، الابنة ليز مؤمنة بالحرية والديمقراطية في مقابل والدتها الكاثولكية التي تدعم حكم بيونشيه الديكتاتوري في تشيلي بعد 40 عام تعود ليز لتسرد أسرار في صورة مونولوجات ظلت حبيسة صدرها لسنوات، وأفلام أخرى كانت أقل مستوى من أن تذكر تمامًا.


هل تبدو تلك الأفكار محمّله بحنين أو استنكار لا يجد مكانه الحقيقي، يذهب دون إرادة إلى غموض الماضي والذاكرة ليحمّلها الأخطاء والمستقبل الغامض؟ ربما، وربما في أحيان أخرى تبدو محورية الذاكرة التي لا نملك بالرغم من كل شيء الوثوق فيها كما أخبرتنا الطبيبة النفسية بغضب في كتابها أو تركها تمامًا مثلما وثّق بعض الفنانية حياتهم، لكنها تبدو على كل حال تساؤلات فلسفية محفّزة لفتح الجراح والشجاعة لتترك كل مشاهد أو قاريء يسرق من ماضيه ما يمنحه تساؤل وإجابة، واعية أو غير واعية، تبدو مراهنة تستحق، هيا، أدخل إلى ذاكرتك ولا تخف أو لو أردت النصيحة اهرب فورًا واسمع كلام دكتورة بلاد برّا.




 
 
 

Comentários


bottom of page