top of page

aboutMe

Egyptian writer and photographer, graduated from the Faculty of Media and Communication Arts, Radio and Television Department, interested in writing in philosophy, literature and film criticism.

إبراهيم عبد المجيد وصراع السينما والأدب

  • صورة الكاتب: Hossam Elkholy
    Hossam Elkholy
  • 13 مايو 2019
  • 7 دقائق قراءة

تاريخ التحديث: 23 مايو 2019






طفلٌ لم يبلغ خمس سنوات بعد، يجلس في روضة الشيخ عبد الله وهي واحدة من حضانات حي كرموز السكندري الهاديء نهارًا، ينظر من حديقة روضته إلى المبنى المواجه له في شارع باب الملوك، يجد تجمع بشري، يستغل سهو الجميع عنه فيخرج إلى هناك، دس نفسه بين الناس ودخل معهم وهو لا يعلم شيء، كان يشاهد أمامه شادية التي سمع اسمها من أمه قبل ذلك في السينما، انتهى الفيلم وتذكر أن والدته ربما جاءت لتأخذه كالعادة في تمام الواحدة ظهرًا، لكنه وجد الأطفال بالداخل كما هم، دخل أثناء سهو الجميع عنه كما خرج، جلس ولم يخبر أحدهم بالسحر الذي مسّه. من تلك الكلمات وجدت ضالتي في تداخل تلك الحكايات البِكر وتنويعاتها على أنها سبب تقديس الروائي السكندري إبراهيم عبد المجيد للمكان على الأشخاص، ودفعني ذلك لاعتباره تأسيسيًا في الحديث عن مشواره الأدبي الذي بلور أسبابه بشكل غير مباشر في روايته "أنا والسينما" الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية. وخلال الحديث عن هذا المشوار نحاول الإجابة عن تساؤل مهم لصاحبه يظهر بمجرد الانتهاء من الكتاب: لماذا تحوّلت وجهة ذلك الروائي المتشبّع بالأفلام والمشاهدات السينمائية منذ الصغر كاملة إلى الأدب حتى أنه لم يُخصص أعمال بعينها للسينما والتليفزيون -باستثناءات قليلة- ولو بعد نجاحه والاحتفاء به/ تحقّقه أدبيًا؟


في السينما والأدب بشكلٍ عام ثمة كُتّاب وفنانين كرّسوا عدد من كتاباتهم وأعمالهم لخدمة هاجس أو فكرة تسيطر على عقولهم؛ المخرج الصربي المسلم أمير كوستوريتا تدور عدد من موضوعات أفلامه حول فكرة ذكورية الرجل الشرق أوسطي ويتلاعب المخرج مارتن سكورسيزي في أفلامه بين ما تريده شخصية البطل وما تعطيه الحياة له بالفعل، تتخلّل أعمال الروائي التشيكي إيفان كليما التي قرأتها ثيمة الضعف البشري وكيفية مواجهته. السفير المكسيكي الذي كتب الرواية: كارلوس فوينتس حملت كتاباته ثيمة الخوف. يحكي أنطون تشيخوف قصصه ومسرحياته بألسنة أبطال تتملّكهم الكآبة والانعزال سواء كان ذلك مجتمعي واقعي أو مجازي مُتخيّل. ووُجد فنانون وكتّاب تمركزت كتاباتهم حول مكان ما، إذ يصبح المكان الذي يدور حوله الأشخاص هو البطل. عبد المجيد من هؤلاء؛ فضّل تقديم المكان على أي شيء، درسُه في الفلسفه وتشبّع به وأيّدت تجربته وجهة نظر كتّاب الواقعية الجديدة فأصبح "المكان يصنع الشخصية وحديثها" لديه أيضًا كما لديهم حتى جعل بطل روايته "في كل أسبوع يوم جمعة" المدن والصحاري داخل مدينة افتراضية، فـ"المكان له الوجود الأول والإنسان ثانوي".


اشتهرت ثلاثيته عن الإسكندرية ربما أكثر من كل أعماله التي سبقتها والتي تلتها أيضًا؛ بدأها عام 1996 بـ"لا أحد ينام في الإسكندرية" التي ظل يكتبها ست سنوات جمع خلالهم ما حدث في المدينة بسبب الحرب العالمية الأولى وإرهاصاتها، ثم "طيور العنبر" التي صوّر خلالها فترتي الخمسينيات والستينيات، وأنهاها بـ"الإسكندرية في غيمة" التي يُستشف من تسميتها أنها عن ما لاقته الإسكندرية من انحدارٍ شامل مع بدايات الانفتاح الاقتصادي الذي باركه السادات. بالتالي أجاز فيهم بشكل عام غير مبتسر تاريخ الأسكندرية الكوزموبوليتانية منذ الخمسينيات حتى بدايات الألفية، وربما بذلك صنع ما صنعه نجيب محفوظ بالقاهرة خلال كتابته للثلاثية (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية) رغم اعتقاد عبد المجيد أن "كتابة نجيب محفوظ عن القاهرة أنتجت لغة كلاسيكية تمامًا أثناء الثلاثية تغيرت بالطبع أثناء كتابته رواية اللص والكلاب التي تدور أحداثها في الإسكندرية، تغيرت اللغة فأصبحت الجمل قصيرة وشاعرية ومتدفقة وسريعة" وهو الرأي ذاته الذي كتبه مصطفى نصر صديق نجيب محفوظ.1 ربما ذلك التحيز من عبد المجيد تُفهم أسبابه ويُظهر مدى حبه لمدينته لكن في النهاية يمكننا اعتبار أن كليهما قدّما المدينة كقصة تأريخية تاريخية ومتخيلّة في آن؛ تختلط فيها حكايات المدينة مع حياة الناس المستقاة من التاريخ الشفوي المتناقل بالألسنة ضمن قصة خُلق أبطالها من عقل الكاتب.


الكاتب السكندري الذي يُفتتن بمدينته أكثر من أفكار صديقه الروحي الفيلسوف زينون الإيلي (أحد الفلاسفة السبعة الذين كانوا قبل سقراط وأفلاطون ولم يتركوا كتبًا لكنهم تركوا أفكارًا تناقلت بعدهم) وأفكاره التي "سحرته طالبًا ولا زالت" والتي يُبرهن خلالها الفيلسوف على عدم وجود الزمان والمكان والحركة فجعلته يؤمن بها لكنه يرفض الاعتقاد بعدم وجود المكان بل يُناقضه فينتصر للمكان على ما سواه رافضًا تصورات معلّمه.


أثناء رحلاته المدرسية صغيرًا جاء الكاتب السكندري إلى القاهرة، زار الجمالية والأحياء التي كتب عنها نجيب محفوظ في ثلاثيته التي فُتنته وقرر عدم الرجوع مع أتوبيس مدرسته والبقاء في القاهرة، كان يبيت في مسجد الحسين، انتهت أمواله -نصف جنيه- بعد ثلاثة أيام فقط من إقامته وهو ما أجبره على العودة. هكذا كانت تجاربه وحكاياته التي طالما أكدت على التأثيرات الجنونية للأمكنة على وعيه.


لم تكن الثلاثية أولى كتاباته عن المدينة وبالتأكيد لم تكن آخرها؛ كتب قبلهم "الصياد واليمام" و"بيت الياسمين" و"ليلة العشق والدم" وبعدها كتب "أداجيو" التي تحمل رسائل من أب لابنته، وربما يخيّل لك كقاريء في تصوّر حميمي بعد كل تلك السنوات من قراءته الاعتقاد أن أوّل حكاياته عن المدينة مع بطل صياد اليمام التي كتبها في 1984، ذلك الرجل الذي يصطاد يمام غير موجود بسبب موت إبنه بين خطوط السكة الحديد هو نفسه مجد الدين بطل "لا أحد ينام في الأسكندرية" الذي أجبرته الحرب على العمل في السكة الحديد داخل الصحراء منعزلًا عن العالم -ميّت- لو لم ينقذه الكاتب في النهاية من وحشة الصحراء؛ كلاهما داخل زمن مفقود بالنسبة لهم، مشتتون، مغتربون بسبب "مكان" لا يملكون فيه شيء. فقط لو توهّمنها خط زمني يربط تلك الحكايات بعضها بالآخر.


حتى أنه عندما قرر بعد سنوات عديدة أن يكتب عن القاهرة في كتابه "هنا القاهرة" صدّر الكتاب ببعضٍ من رواياته السكندرية وحكاياته عن نفسه كبطل شيوعي في السبعينيات، يهجر حبيبته والتنظيم الذي يتبعه ليرحل إلى القاهرة مغصوبًا نوعًا ما، فيسترجع الماضي السياسي والحياة السابقة ومآثرها على المستقبل، ربما حتى بنفس المساحات المتروكة داخل الكتابات السابقة عن دور الأنثى في حياته ومغازلة الأكلات الجميلة وصنوف الأسماك المغرية غير المنتهية. يسير في توازٍ تام مع سيرته الذاتية وقصصه المُتخيّلة التي اكتسبها من أمه وأخته وأصدقائهن بجانب السينما التي شكّلت عقله منذ الطفولة. فحتى مع مجيئه للقاهرة يظل يحكي الطفل الذي يكتشف الأشياء ليحفظها في متحفه الورقي من النسيان عن ثقافته المختلفة ودخوله للمسرح وسماعه للراديو ومعرفة أسرار الشوارع وسياسات الشيوعيين، عن الإسلاميين ونقاشات الحجاب وأزمات المثليين منبوذي المجتمع، عن معايشته لثورة 25 يناير في روايتيه التي تحمل أحدهما شجن الثورة "قبل أن أنسى أني كنت هنا" بينما تحمل "قطط العام الفائت" ما داخلها من سخرية وفانتازيا. كل شيء على أوراق حوالى عشرون كتاب حتى الآن تُرجمت بعضهم إلى لغات أجنبية. غزارة الإنتاج تلك كانت بجانب وظائفه في وزارة الثقافة التي لم تشغله عن الجلوس ليلًا والكتابة على تنويعات الموسيقى الكلاسيك لفناني العالم.


الحُلم الذي خُطّت بداياته مع الكلمات التي قالها الكاتب الراحل محمود تيمور بأنه "قصاص موهوب" عندما فازت قصته بالمركز الأول في نادي القصة السكندري فغيّرت حياة الشاب الصغير الذي أحب الكتابة منذ قراءته رواية "الصياد التائه" للكاتب محمد سعيد العريان وظل يواصل تحقيق حلمه إلى الآن دون ملل في روتين يومي يقرأ ويكتب "حتى يرى أنفاس الصباح".



لماذا "أنا والسينما" بالتحديد؟

مع تتابع القراءة داخل العالم الروائي لإبراهيم عبد المجيد ربما ستواجهك كتاباته الشخصية تمامًا والتي يحكي فيها عن نفسه دون اللجوء إلى مزجها داخل قصصه بشكل غير مباشر مثل أغلب الروائيين؛ يقدّم سيرته الذاتية والإبداعية في كتابه "ما وراء الكتابة.. تجربتي في الإبداع" أو يقدّم كتاب "أنا والسينما" الذي يحكي فيه أسباب حبه للسينما الذي جاء منه حُبّه للرواية، يقول: السينما ليست منفصلة عن الأدب ولا عن بقية الفنون، وأنها لها فن له تاريخ عظيم من المدارس السينمائية كما للأدب تاريخ عظيم من المدارس الأدبية... كنت أحب السينما وأذهب إليها تقريبًا كل يوم. السينما الشعبية في حي كرموز حيث كانت أسرتي تسكن أو حي القبّاري في الطريق إلى المدرسة... وكنت أقرأ أفيشات الأفلام وأعرف أنها مأخوذة عن روايات لكني لم أبدأ في قراءة الروايات بعد". كتاب أنا والسينما. المؤلف. ص205 وربما في ذلك الكتاب ما يبدو جوهريًا في تتبع مسيرة إبراهيم عبد المجيد ومعرفة أسبابها الأساسية إلى جانب إعادة النظر على مشكلات صناعة التلفزيون والسينما في مصر الذي يتداخل مع حكايات أحد كُتّابها.


عرف السينما "التي ظل يذهب إليها أسبوعيًا" قبل أن يعرف الرواية، اختمر عقله الصغير على مشاهدة أفلام عالمية ومحلية وهو لا يزال طفل مما أسرع في نضجه وإلتحامه بالعالم والبحث عن إجابات أسئلته الشخصية، كان ذلك في وقت من الصعب على كثيرين دخول السينما أو مشاهدتها في المنزل بينما هو يشاهد فيها فيلم "موعد مع الحياة" داخل مدرسته. هذه المعرفة السابقة لأوانها على ما يبدو ستنتج بالضرورة حكايات كثيرة وأسئلة تدور في الذهن وتنتظر من يدفعها للخروج، كان متوفقًا دراسيًا للدرجة التي تجعل زملاؤه يطلبون منه أن يراجع لهم قبل الإمتحانات بالرغم من اقتصار مذاكرته هو نفسه قبيل الإمتحانات فقط.


أثناء حديثه عن سنوات دراسته حكي أنه في أحد الإمتحانات بمادة علم النفس أجاب على سؤالين من إجمالي ثلاثة أسئلة في الإمتحان نتيجة استطراده في الحديث عن الفيلسوف فريدريش نيتشه الذي قرأ له وشاهد عنه قبل الجامعة بسنوات، كتب في نهاية ورقة الإجابة: أعتذر عن السؤال الثالث لضيق الوقت وضيق الورق.


رغبته وميله إلى الكتابة الأدبية الغالبة عليه في النهاية لم تغّير وجهة نظره في أن السينما هي التي "تبلور لغته" وهو ما يظهر لقرّاءه، فيكون التكوين اللغوي المكتوب في رواياته تصويريًا مستمد من مشاهداته السينمائية غير المحدودة. كتب عبد المجيد سيناريوهات لأعمال فنية إلى جانب الأعمال الفنية التي أُخذت عن رواياته لكن مخرجو تلك الأعمال "غيروا السيناريوهات" التي كتبها؛ فقدّم فيلم واحد فقط أخد تصريح رقابي بإتاحة تصويره ولكن لم يكتمل، أيضًا كتب مسلسل "قناديل البحر" ومسلسل "لا أحد ينام في الأسكندرية" المأخوذ عن روايته التي تحمل المسمى ذاته إلى جانب مسلسل "بين شطّين ومية" ذلك العمل الوحيد الذي قدّمه المخرج عمر عبد العزيز كما أراد كاتبه "ولم يغير فيه شيء" وهو المسلسل الممنوع عرضه حتى الآن ربما لما يحمله من لمسة فانتازية تكاد تلازم الكاتب في أغلب أعماله والتي غالبًا ما يمكن أن يعطيها تفسيرات سياسية وفيلم "قرفة بالجنزبيل" (سيناريو وحوار: هالة خليل. وإخراج: عمر عبد العزيز) الذي لم يُعرض بعد والمأخوذ عن روايته عتبات البهجة.


يضع فنجان قهوته على الطاولة، يصمت قليلًا وبتأثر نسبي يقول: لا قوانين في الأدب مثل السينما لكن هناك ظروف، خَشيتُ الصراعات الكثيرة فتركت العمل في التلفزيون والسينما وقررت البُعد عن مشكلاتٍ ربما يضيع معها الزمن ولا تعود بشيء نافع، في السينما يشاركني المخرج والمنتج تفاصيل العالم المُتخيّل بينما في الأدب مكاني الذي أعمل فيه حرًا، وحدي تمامًا، أنا حر في روايتي. على ما يبدو كانت بيروقراطية صُنّاع السينما في مصر إلى جانب الافتقار إلى مخرجين يمكنهم تحويل كتابات عبد المجيد السينمائية إلى صورة شبيهة بتخيّله عنها كان السبب الرئيسي في بُعده عن السينما التي شكّلته ليس طغيان الأدب وحده. استهلاك الزمن وتحمّل أعباء كتابة عمل فني غير مضمون نشره/إذاعته ربما كانت أسباب أكثر منطقية لبُعد كاتب "أنا والسينما" المليء بحكايات حب فطري للسينما من إتهاماته بالعجز عن إنتاج أعمال سينمائية متميزة.


مرة أخرى تطفو مشكلات صناعة السينما والتلفزيون في مصر: اقتصارها على أعمال كُتاب بعينهم وقصص مستهلكة وروتينية في التعامل ربما يصل لدرجات التعجيز لخلق مساحات شاسعة تتسبّب في بُعد كُتّاب لأسباب كاتبنا الذي فرح بسببه الراحل أسامة أنور عكاشة عندما أخبره أنه يريد تقديم مسلسل تلفزيوني ولم يكن يعلم وقتها الوقت الذي سوف يضيع -غالبًا- دون جدوى.


إذا سلمّنا بفرضية أن الأفكار والحجج لا تكون قدوة في ذاتها و"أن الجميع يملكون أفكارًا [هي] أفكار خليطة وكثيرة معًا لكنها الأفكار نفسها ويتفرجون على البرامج التلفزيونية نفسها وأن وسائل الثقافة الشعبية تفكّر لنا"2 فسوف يظل التساؤل حول "كم عدد الأفراد المثقفين الذين يحملون فكرة واحدة ملء الذراع حتى النهاية ودون تسوية؟" يجد إجابته عند كتّاب وفنانين مثل كاتبنا؛ يُخلص لفكرته الأم عن "المكان"، يعطيها قصصه لثبوت محوريتها، الأمر الذي يجعل من غير المنصف فضلًا عن ما يمثّله من مفارقة "تجهيل" تقديمها تلفزيونيًا وسينمائيًا بالرغم من إثبات نجاحها الأدبي الذي كان سببه الأساسي السينما.




1- قال مصطفى نصر: إنني أرى أن تطور الشكل عند نجيب محفوظ بدأ عندما كتب عن الإسكندرية، فأعماله الأولى رغم جودتها كانت لا تخلو من ملل، وتحمل تفصيلات زائدة عن الحاجة. مقال "الإسكندرية والذاكرة المحفوظية" ضمن ملف "النجيب.. ميلاد يتجدد" للاحتفال بذكرى ميلاد الأديب المصري نجيب محفوظ. مجلة الإذاعة والتلفزيون. العدد 4369.


2- كتاب "مذكرات برجوازي صغير بين نارين وأربعة جدران". الكاتب: ريجيس دوبريه. المترجم: سهيل إدريس. الناشر: دار الآداب بيروت. الطبعة الأولى 1977. مقتطف من صفحة 15.

 
 
 

Comments


bottom of page