«الجنس يُفسر كلّ شيء».. كيف أثارَ فرويد جدل العالم؟
- Hossam Elkholy
- 21 يونيو 2018
- 6 دقائق قراءة

"ساسة بوست"
_ انتبه إليَ، نحن الآن في بداية الألفية الثانية، أنت تُعاني من مشكلة نفسية بعينها أو رُبما مشاكل حية لا تستطيع التعامل معها ولا تعلم منها سوى ضجرك وكآبتك وانعزالك عن الآخرين... هل فكرت بشكلٍ جاد في الذهاب إلى طبيب نفسي؟
* لا لم أفكر مطلقًا، تلك كانت تثير تساؤلات من حولي عن سلامة عقلي، ربما أفقدتني أصدقائي أو وظيفتي آنذاك.
_ إذن، لماذا تذهب الآن لطبيبك النفسي ولا تُلقي بالًا لمن حولك، بل أنت من أقنع إبنك _صديقي_ بالذهاب إلى طبيب نفسي هو الآخر للتخلص من بعض مشاكله النفسية؟
*بالطبع اختلف الزمن، مع الوقت اختلفت نظرتنا للأطباء النفسيين حتى الأطباء النفسيين ذاتهم لم يتوقعوا أن يذهب إليهم المرضى مثلي بدونِ حذرٍ أو خوفٍ كما كان.
يُشكل حوارنا مع الرجل الخمسيني نقطة البداية التي نود الانطلاق منها خلال حديثنا عن التحليل النفسي وعن مدى معرفتنا بعلم النفس عمومًا.
ماذا نعرف عن علم النفس أساسًا؟
كلمة علم النفس؛ التي تُعني pscyche باليونانية أو الحياة والتنفس والروح، كانت بدايته باتحاد الفلسفه مع علم الأحياء ومهمته تشخيص وتحديد قضايا الصِحة العقلية للأشخاص.
ظهر بعد ذلك كعلم مستقل بانشاء أول معمل لعلم النفس التجريبي في ألمانيا على يد ويليم فونت عام 1879، بدأ فونت بتدريب الأشخاص وكان رأيه أن التدريب على تحليل المشاعر قادر على تحديد العمليات العقليه المُسببه لها.
تفرعت بعد ذلك ما يُسمى بمدارس علم النفس في مُختلف المجالات كمدرسة التحليل النفسي لرائدها سيجموند فرويد المعني به هذا التقرير بالإضافة إلى:_
المدرسة البنائية.
المدرسة الوظيفية.
المدرسة السلوكية.
المدرسة الإنسانية.
المدرسة المعرفية.
مدرسة التحليل النفسي _علم الشخصية_
أرادت هذه المدرسة لنفسها واقع آخر خارج المعمل وحسابات الشعور وقامت على أساس واضح، أولًا الطاقة النفسية المُستمده أساسًا من الطاقة الطبيعية الموجودة بالكاد في الطبيعة.
ثانيًا، الحتمية النفسية: التي تَعتبر أن لكل نتيجة سبب، والعكس، فلا يوجد سلوك يقوم به الإنسان إلا وله سبب حتي الهفوات لها دلالة ومعنى عند صاحبها حتى لو كان لا يشعر بذلك أو يعتقد به.
>>إن الكائن البشري الصغير ينتهي صوغه أو تكوينه غالبًا في السنة الرابعة أو الخامسة من عمره، ثُم يفصح تدريجيًا عن الكائن الخبيء في نفسه خلال السنوات التالية من حياة سيجموند فرويد، بالتالي اهتمت هذه المدرسة بجوانب جديدة لا يعلمها أحد مثل تأثير الدوافع اللاشعورية على الأشخاص سواء الأسوياء أو المُنحرفين كما يُطلق عليهم فرويد "الشواذ".
تأصيل دور الأحلام وتأويلها في احتياجات الأشخاص ورغباتهم، وتعلق الشخص بوالديه _عقدة أوديب_بالتالي أرادت هذه المدرسة الخروج من المعمل وبناء الأمل على الأشخاص أنفُسهم، ووضع حجر الأساس في الغريزة الجنسية كمُتحكم أساسيفي دوافع ورغبات واختياجات الفردفي الحياة وهو الجزء الذي يُعارض بعضه الفروديين الجُدد.
شبّه رائد هذه المدرسة، النفس البشرية بجبلٍ من الجليد يطفو فوق سطح الماء وهو يُحاول تفسيرة فمن يكون هذا الرجل حَول نظر العالم لموضوع بهذه الأهمية والخطورة.
ولد سيجموند شالمو فرويد في مايو 1856 لعائلة يهودية بمدينة فريبورج بمقاطعة مورافيا بتشيكوسلوفاكيا الحالية، انتقلوا بعدها لألمانيا منذ أن كان طفلًا في الثالثة من عمره، ثم إلى النمسا _فيينا تحديدًا_ التي قضى بها الجُزء الأكبر من عُمره.
وُجد فيه منذ صِغره الذكاء الشديد لذلك كان الطفل المُدلل والأهم لوالدية، لأنه وُلِدَ لعائلة فقيرة فكانت الخطة أنه بتفوقة الدراسي سيُصبح أمل الأسرة في الخروج من شقائهم، بالتالي الجميع في صمت طالما فرويد الصغير في غُرفتة،أيضًا مُنع على أخوتة مثلًا دراسة الموسيقى لأن ذلك كان يُزعجه.
قبل الجامعة خطط فرويد لدراسة القانون لكنة وجد أن دراسة الطب تجعلة قريبًا أكثر من البحث العلمي، فسرعان ما قرر دخول كلية الطب، لا ننسى أن تحقيق الحُلم جاء بالمزيد من الاهتمام والتدليل للطموح الصغير على حساب الأسرة التي تتوسم فيه وتنتظر منه تحسين وضعها المادي.
لم يطمح فرويد لأن يكونَ مُجرد طبيب بل كانت غايته القصوى منذ البداية معرفة اللعز البشري لكنه مثل الجميع لم يعرف في البداية ماذا يُريد تحديدًا؛ بعد مرور الكرام الذي يحدث في السنوات الأولى على جميع الأقسام انجذب فرويد نحو التشريح.
زاد اهتمامة بمجال التشريح، ونشر عددًا من البحوث العلمية في مجال التشريح، استحوذت نظريات علم التشريح على عقل فرويد، لكنه وجد نفسه في النهاية مُجبر على الدخول في مجال يستطيع من خلاله الحصول على المال وتخصص بعدها في مجال الاضطرابات العصبية.
عمل فرويد في البداية مع صديقة النمساوي بروير،على الفكرة الرئيسية للطب النفسي آنذاك "التنويم المغناطيسي" تحت اشراف دكتور شاركوت الأستاذ الرئيسي لفرويد وصديقه أيضًا، هو من أشعل له فكرة احتمال وجود اضطراب جنسي ما لبعض مُصابي الأمراض العصبية.
من خلال حكي المرضى لأحلامهم، ربط فرويد بين نفسية المريض أو اضطراباته، بما يحتاجة لتجاوز مشاكلة، كان ذلك في عام 1900 وهي الفترة التي وضع فيه كتابه الذي أثار جدلًا آنذاك التحليل النفسي، نذكر هنا أن هذا الكتاب كان يُمكن أن يُقرأ في 1899 لكن فرويد أراد أن يكون الكتاب حديث المئوية الجديدة.
بعد فترة تجاوزت الخمسة عشر عامًا من العمل المشترك بين فرويد وبروير ونشر أبحاثهم المشتركة عن الهيستيريا، ما جعلهم يبحثوا أكثر في العوامل النفسية المُسببة للهيستيريا. الهيستيريا تؤدي للإنحلال العقلي، يقول الصديق بروير أن سبب ذلك هو انقطاع الصلة بين حالات النفسية الشعورية المُختلفة، ويقول فرويد أنها نتيجة صراع بين الميول وتصادم الرغبات وبهذه الأعراض يُدافع المريض عن دوافعة المكبوتة داخل شعورة وبما أنها تُعتبر مرفوضة فإنها تحاول أن تُخرج ذلك بطريقة مُختلفة وهي ما نُسميها أعراض هيستيرية.
لم يتوقف الخلاف عند هذا الحد، فرويد الآن يُعلن عن موقف جديد سيجعلة حديث الجميع، الأطباء وغيرهم حيث أرّجع السبب الأساسي للهستيريا للغريزة الجنسية، ما جعل الأمر بينه وبين صديقه القديم يتخطى الخلاف حتى وصل لقطع الصلة بينهم وشنّت الحرب على فرويد من الجميع.
الجنس... مفتاح اللغز.
عزيزي يونغ، عاهدني على عدم التخلي عن نظرية الجنس أبدًا، فذلك الأمر بالغ الأهمية، أترى، يجب أن نجعل منه عقيدة وحِصنًا لا يُهد. ويُضيف يونغ: قال لي ذلك بإنفعال عظيم، ونبرة أب.
من وصية فرويد إلى تلميذه وخليفته بعد ذلك كارل غوستاف يونغ
يُرجع فرويد الأفعال العصبية للعامل النفسي بدلًا من كونها عضوية، بالتالي اعتبر أن الأحلام أيضًا جزء أساسي في اللعبة، واعتبر الحلم نزح لأفكار خُلقت في المهد، فالأحلام بالنسبة لفرويد كانت بنفس أهمية الواقع كلاهما يعبرعن الاحتياج الجنسي للإنسان.
فتح فرويد بمفرده أبواب عالم جديد لم يدخله أحدًا من قبل، اكتشف من خلال أبحاثة علاقة بين الغريزة الجنسية للفرد وعلاقتها بالهستيريا ما جعله يُعمم الأمر أكثر ويثق بنظرتة أكثر مُتجاهلًا كل مُعارضية، الغريزة الجنسية هي السبب الأساسي.
أن يبدأ المريض بسرد كل ما يريد بحرية تامة وهو ما أسماه "الترابط الحر" أو أن يرفع الرقابة عن أفكار وذكريات المريض وتفسير الأحلام كمصادر للرغبة الصادقة عن احتياجات اللاوعي، ذلك ما اتفق عليه مع الجميع لكن الخلاف الرئيسي لفرويد أنه يعتقد بوجود نظام تفسيري مكتملًا يُمكن من خلالة تفسير الأفعال والسلوكيات، وهو على يقين الآن بعد خلافة مع الجميع أن بداية هذا النظام ومفتاح فهمه هو الجنس_ الليبيدو_ السبب الرئيسي لأي فعل يقوم به الإنسان.
الليبيدو_libido_ هي في الأصل كلمة يونانية تُعني التماس لذه العيش عمومًا لكن فرويد استخدمها كإشباع أو التماس لذه الحياة الجنسية فقط، وهو بذلك أراد أن يوسع مفهوم النشاط الجنسي حتى يشمل ضروب النشاط في الطفولة الأولى.
أيضًا اعتبر فرويد النشاط الجنسي الذي تُعبر عنه عملية التمصص _مص الشفتين طلبًا للذة_ لذلك فهو يعتبر أن اتخاذ الأم كأول موضوع للحب هو مجازًا عن ثديها بالتحديد ومُرتبط بالتماس لذه جنسية طفلية؛ هي التي تخلق المجموعة المُعقدة من العواطف التي نُسميها عقدة أوديب.
إذن بالنسبة لفرويد فالصراع الذي يحدث لأي مريض نفسي هو صراع بين متطلبات الأنا ومتطلبات أو النزعات الجنسية للفرد ذاتة متخذة أشكال وسلوكيات مُختلفة، إذا حاول الفرد تخطيها والتغلب عليها فهو يُخرجها إلى عالم الشعور وإذا لم يستطع اتخذت أشكالًا وأفعالًا مختلفة.
تحمس لفرويد طلاب كثيرين وأصبحوا له كمريدين، قدسوا أفكاره الجريئة، وقلبُه للمفاهيم التي تَخُص المرض النفسي وأسبابه وعن الإنسان عمومًا.
ساعد الأدباء والعلماء الذين آمنوا بنظريته في تغيير وجهة نظرهم للأشياء، بالتالي الإبداع بأرضية مختلفة عما كانوا قبل صك نظريته، رُبما نعتبر أن تأثير فرويد على الأدباء والعلماء في عصره كان شبيهًا بتأثير ماركس في السياسة والإقتصاد والفلسفة، كلاهُما جاء ليهدم المعبد ويُعيد بنائه كما يريد.
خرجت مدارس فنية عديدة انطلاقًا من إيمانهم بفرويد كالسريالية والتجريدية مُستخدمين الأحلام مرة أخرى كعملية للسرد أو رمز عن ما بداخلنا، اعتمدوا على تصوارات الخيال بدون رقابة مُسَلَطة عليه.
نقاط الخلاف مع فرويد.
كما أسلفنا كَثُرّ أتباع فرويد من مختلف المجالات كما زاد خصومة أيضًا، لكن ولأننا جميعًا محاطين بالزمان والمكان الذين أحاطا بميلادنا فهناك بعض النقاط التي تؤخد على فرويد كما يعرضها خصومة.
(1) اعتمدت غالبية نتائج فرويد على ملاحظاتة المُتعلقة أساسًا بأشخاص مضطربين عاطفيًا وهو ما يعتبره مُعارضية أمر غير ملائم فهُناك شخصيات عادية وسليمة.
(2) الوقت الذي ظهر فيه فرويد كان الحديث عن الجنس عمومًا محظور جدًا لذلك وجدت نظرية فرويد بيئة خصبة حيث مُعظم المرضى يُعانوا من مشاكل جنسية، ويلاحظ مُعارضية الآن أنه برغم أن مشاكل الجنس تقل مع الوقت إلى أن المرض الذهني لا يزال موجودًا بكثرة.
(3) وضع فرويد فرضيات عامة لم يُفسرها وما يجعلها غامضة حتى على مُريدية، مثلًا ما هو السلوك الذي يشير إلى أن الطفل في مراحلة الأولى كما يقول فرويد في تطور نفسي جنسي.
(4) في النهاية هناك الكثير من الملاحظات التي تؤخد على فرويد ولكن الشيء الذي يؤكد علية الجميع كون نقد آراءة نفسها عملية صعبة لأنها تحتاج لدراسة مراحل نمو الشخصية وهو ما يتطلب وقت كبير واستثنائية للجميع.
رسالة أخيرة
"في وسع المرء أن يُكَون لنفسه عن التحليل فكرة أشمل من تلك إن قام بها على يد مُحلل ماهر".
سيجموند فرويد.
فرويد الذي عارض العالم وأراد من الجميع أن يرفعوا السُلطة عن خيالهم وأحلامهم، وهو الذي آمن بطريقة السرد كحل أمثل للخروج من ضروب الكبت والمرض النفسي كان أول الخائفين من ذلك بحسب رواية تلميذه يونغ.
يقول كارل يونغ، خليفة فرويد: حلم فرويد حُلمًا، وفسر بعدها سبب حلمه هذا، لكن يونغ لم يصدق أو لم يقتنع بما برَره فرويد له، كان تفسير يونغ الأكثر منطقية وقال وقتها أنه بإمكانه أن يُفسر أفضل من ذلك أإن حكى له فرويد أكثر عن حياته الخاصة، كانت صدمة يونغ في الرد، حيث رمقة بنظرات شك وغرابة وقال: لكنني لن أخاطر بسلطتي. يقول يونغ: في هذه اللحظة تحديدًا خَسِر كُل سُلطَتة.
Comments