top of page

aboutMe

Egyptian writer and photographer, graduated from the Faculty of Media and Communication Arts, Radio and Television Department, interested in writing in philosophy, literature and film criticism.

"الزوجة المكسيكية".. حُبّ امتلاك

  • صورة الكاتب: Hossam Elkholy
    Hossam Elkholy
  • 16 ديسمبر 2018
  • 5 دقائق قراءة









"إما حياة كاملة كما أريدها أو لا حياة... لماذا لا أحيا مثلهم؟ لماذا ليس باستطاعتي أن أساوم؟ لماذا خلقت هكذا؟" هكذا يتساءل الروائي والقاص الراحل يوسف إدريس خلال روايته البيضاء التي "صاحب صدورها ضجة لم تهدأ حتى الآن، والتي تبعتها موجة من الدراسات الأدبية والتاريخية عن تلك الرواية الغريبة من نوعها في الأدب العربي وقت صدورها، إذ تقدّم نموذج بطل متردد بين ذاته الأنانية الضيقة ووطنه". يعبر يوسف إدريس خلالها عن تلك الفترة من حياته ويطرح تساؤله الشخصي حول ما يريد أن يحظى به وربما يظل ذلك التساؤل كاشفًا لشخصية أحد أشهر روائيي الخمسينات الذي يهديهم الروائي إيمان يحي روايته الجديدة.


بعد روايته الأولى "الكتابة بالمشرط" التي صدرت عام 2013 والتي حاول خلالها مهاجمة التطرف والفساد والتدهور المهني في الجامعات ببناء روائي لفت الأنظار آنذاك، قدّم الأستاذ الجامعي والطبيب والروائي إيمان يحي رواية "الزوجة المكسيكية" الصادرة حديثًا عن دار الشروق، وهي بمثابة تحقيق استقصائي وبحث أكاديمي عن فترة مختلسة من حياة الطبيب والقاص يوسف إدريس "يوثّقها تاريخنا الشفاهي الذي يضيع ولا ننتبه إلى ضياع شهوده قبل أن يدركهم الموت" فتأتِ الرواية لتؤكده. كما يتقاطع توثيقها مع فترة الخمسينيات التي سبقت تحركات الجيش المصري في عام 1952 وإرهاصات نضالات المثقفين والضباط التي تحوّلت إلى ديكتاتورية عسكرية أخرى بعد رحيل الملكية نحّت الفنانون والكتّاب المعارضون على حساب مؤيدو هذه الدكتاتورية.





يوسف إدريس ولد في مايو 1927، ودرس الإبتدائية بمحافظته الشرقية ثم انتقل بعدها إلى القاهرة ليدرس في كلية الطب في عام 1945، تخرج في الكلية بعد ست سنوات تحديدًا في عام 1951. ثم عمل طبيبًا بقصر العيني لحوالي عشر سنوات أخرى، تدرّب خلالها واكتسب خبرة كبيرة، كما حاول أن يمارس الطب النفسي أيضًا، يعرف الجميع قصة زواجه الأولى في عام 1957من السيدة رجاء الرفاعي التي أنجب منها ثلاثة أولاد (سامح، بهاء، نسمة). وكانت الكتابة ملاذه الأهم، فكان يكتب بجانب عمله طبيب، وعند مجيء الفرصة لم يتردد وعمل صحفيًا بجريدة الجمهورية عام 1960، ثم عمل بجريدة الأهرام، كتب عشرون مجموعة قصصية، وخمس روايات، وعشر مسرحيات. أخرجت السينما المصرية عن مجمل أعماله الإبداعية حوالي 11 فيلم. كل هذا التاريخ الطويل لم تُذكر خلاله قصة زواجه الأولى بالفتاة المكسيكية التي توثقها الرواية.


في "الزوجة المكسيكية" يحكي صاحب "النداهة" قصة الزواج القصير الذي لم يستمر لأكثر من عام في حين أدّى لكتابة رواية البيضاء التي حاول خلالها إدريس نقل رغبته كرجل شرقي في الانتصار على الغرب عن طريق عدم الإعتراف بالوقوع في حب فتاتين غربيتين. توثيق بحثي في سردية روائية خفيفة وممتعة للقاريء تخرج به عن الجمود اللغوي والتقريرية الأكاديمية خلال تداخل زمني على طريقة "الميتا سرد" أو رواية الرواية؛ يخلق ظروف عالم جديد شبيه بالتي عاشها الأديب الراحل من خلال بطله أستاذ الجامعة الأمريكية في الأدب العربي سامي جميل الذي يشرف على رسالة ماجستير تتبع ظروف كتابة يوسف إدريس لرواية البيضاء لـ"سامانثا" إحدى طالباته في الجامعة. يتخذ الكاتب دور الراو الذي يضع الجميع في سياقاته الإجتماعية والسياسية بقصتين متشابهتين داخل رواية واحدة ليجعل كل شخصية داخل روايته تسرد الأحداث بلسانها الشخصي.


يقدّم بحثه المتضافر لقصة الحب الحقيقية بين يوسف إدريس أو يحي -اسم المؤلف الحقيقي- وروث زوجته مع قصته الشبيهة المختلقة من خلال مقتطفات من "البيضاء" تتقدّم كل فصل في الرواية فتعتبر بمثابة تكثيف ضمنى للفصل الذي تتقدمه في تلك الرواية الذي يصبح "الخيالُ فيها واقع حقيقي، والواقع فيها غارِق فى الخيال. ينمحِى الحد الفاصل بينهما، فلا تعود تعرف أيّهما هذا وأيّهما ذاك".


يحاول البطل الخمسيني أستاذ الأدب الذي لم يعرف المرأة سوى في تجربة زواج فاشلة، إلى جانب تجارب عاطفية عديدة لم تكتمل "لظروف يصعب شرحها" يفوته قطار الزواج ويستغرقه التدريس "فلم يعد يذكر آخر مرة مسّ فيها إمرأة، كلهن كن عابرات بل توقف ولا أثر" يعوّضه عن وجودها في حياته بعد ذلك انشغلاته بالتدريس والكتابات الأدبية التي يقف أدب يوسف إدريس أو (يحى مصطفى) في صدارتها.


نُشرت رواية البيضاء وقت صدورها في صفحات جريدة الجمهورية بناءً على دعوة ضابظ الجيش صلاح سالم الذي نجح في التفاوض مع صاحبها وقدمه بعدها باعتباره أحد أقلام السلطة العسكرية الجديدة بخروجه من عباءة الشيوعية التي كان ينتمي لها لسنوات قبل اعتقاله التي لم يستمر سوى أحد عشر شهرًا فقط؛ خرجت الرواية تتنصل من الفكر الشيوعي وأصحابه وتسخر منه، لم يراع خلالها مأساة أصدقاءه الشيوعيون الذين ماتوا من التعذيب مما جعلهم يستهجنوا الحديث عنها بالذات بعد ذلك ويتهموه آنذاك بالخيانة والتبعية للسلطة الناصرية التي أفردت له مساحات في الصحافة والأدب لم تفرد لكثيرين نتيجة اعترافه خلالها "أن كل هذا العالم السري الذي عشت فيه وقضيت أهم سنين عمري أخوضه، لا يمكن أن يؤدي بنا إلى ثورة حقيقية ننقذ بها بلدنا"، وخلال الرواية أيضًا يضع فروقه بين الشرق والغرب ويُخفي متعمّدًا قصة الحب الحقيقية التي أدت لكتابتها، والتي جعلت يحي يتزوج بـ"روث" ابنه فنان الجداريات الشيوعي العالمي دييجو ريفيرا زوج فريدا كالو. بالتالي ثمة أسباب عديدة تجعل "الزوجة المكسيكية" رواية مهمة ووثيقة عدد من أسماء أصدقاءه الحقيقيون داخل المعتقل وخارجه لتعيد للأذهان تفاصيل صراعات مضت منذ العديد من السنوات ولم يُكشف تفاصيلها.


تزوج يحي من فتاته الشيوعية المكسيكية عام 1957 وأنجب من زيجته تلك روث ماريا التي ستقدّم بعد ذلك باعتبارها حفيدة الفنان العالمي؛ تعرّف يحي سريعًا على روث خلال مؤتمر السلام في فيينا، هذا الحب أو انبهار الدكتور الريفي بفتاة تحقق خيالاته، والتجمّع الآتي من رحِم الإشتراكية التي كانت تتلمّس خطاها آنذاك وتختبر تواجدها الواقعي وسط سطوة الوصاية الدولية والنظريات المبتسرة لم يستمر كثيرًا لكنه أنتج حكايات وتفاصيل عن الفن والثورة والحب الذي اعترف به في ثالث أو رابع لقاءاته مع حبيبته فولد مبتسرًا أو ميتًا كنتيجة منتطقية لتضارب الثقافات الآتي منها الطرفان. فلم تكن حكاية زواجه نتاج "خيال قصاص موهوب" كما قال كثيرين بينما كانت فقط حقيقة تستعصى على الإثبات ومحاولة صادقة لخوض تجربة فنان يريد كل شيء.


"وقالت لي بفمها البعيد عني: أنت تفعل كما يفعل أي ذئب يا يحي، أنت ذئب" هذه النظرة الثاقبة والوصف المفسّر الذي تقوله روث لحبيبها باعتباره "ذئب" شديدة الذكاء؛ يحي حذِز من الجميع، يحسب كل خطواته، يُربك مُحبيه فلا يجعلهم يفكرون جيدًا قبل أن يمتلكهم تمامًا بينما لا يترك نفسه لأحد مهما كان حبه؛ يرفض أن ترسم زوجته المكسيكية التي فضلت السفر معه إلى مصر وترك وظيفتها كمعمارية وأهلها صورة مأخوذة من صورة عائلته التي يحتفط بها مبررًا ذلك بأن تلك "حياته الخاصة"، تراه من جديد عندما يجلس ليكتب فـ"يتحول إلى إنسان آخر، يصرخ ويشوّح بيديه نحو كائنات لا مرئية"، كذلك لا يجعل حنينه لها بعد رحيلها ينفي إحساسه بـ"الطمأنينة"، في أحد المرات يقول لها بوضوح: حبيبتي أعذريني، نعم أحبك بشدة لكن تعطيلي عن الكتابة لا أقبله، روث، في اللحظة التي أشعر فيها أنك تعيقين فني سأتركك. ثمة أشياء تجعل من الفنان أناني يعبد فنه قبل أي شيء، كان يحي على وعي دقيق بذلك يتقبله ولا يدينه على الإطلاق لأنه كان يعلم جيدًا مدى حبّه لروث التي كان مجرد تواجدها معه في مصر كشيوعية مكسيكية مصدر خطر عليه بينما يدين الراو بشكل غير مباشر جموح الفنان وحريته داخل يحي الذي تجعله حياته الفنية غير ملتزم بعيش أُسري لا يرغب في إنجاب أطفال على عكس رغبة زوجته.


سردية القصة الشبيهة والمتخيلة تدور أيضًا وسط ظروف مضطربة قبيل رحيل مبارك وثورة 25 يناير التي تحدث خلالها القصة لكنها تقوم على افتراضٍ معاكس؛ تحاول سامانثا الأمريكية لفت أنظار أستاذها سامي الذي يعيش وحيدًا، فتتخطّى الحدود التي تفصل بين أستاذ وتلميذته بدعوته لعيد ميلادها وتقبيله أمام الجميع وافتعال أسباب للذهاب إلى منزله وسط استهجان وإعجاب خفي من أستاذها لجرأتها غير المعتاد عليها بالنسبة له. مرة أخرى تتعارض الثقافات طريق مشاعر الحب، فتقف الثقافة الغربية التي جاءت منها الفتاة الأمريكية أمام قناعات دكتورها الريفي المصري الذي لم يعتاد على ذلك، قصتان لم يكتملا على ما يبدو نتيجة ظرفية خارجية أكثر من كونها أسباب شخصية لأصحابهم. فقد يكون خروج الفنان أو الشخص العادي من عباءة قناعاته وتصوراته من أجل لحظات حب قصيرة شعور سنتمنتالي حالم لكن استمراريته تُعيد الأشخاص مُجبرين إلى طباعهم التي تتخطى شعورهم بالحب، فتجعل مشكلات يحي العديدة مع روث نتيجة خروجها وحدها مع أصدقاءه وتستهجن أفعال سامانثا التي تدخل المكتب على أستاذها بملاية لف اشترتها من السيدة زينب لأنها أعجبتها. تسبق مشاعر حُبّ التجربة ذاتها محاولة التأكد من الحب والحياة الزوجية التي ربما تحتاج أشياء بجانب تلك المشاعر رغم صدقها.



 
 
 

Comments


bottom of page