top of page

aboutMe

Egyptian writer and photographer, graduated from the Faculty of Media and Communication Arts, Radio and Television Department, interested in writing in philosophy, literature and film criticism.

السجاد اليدوي في مصر.. كيف أصبحت بيوت العمال مصانع صغيرة؟

  • صورة الكاتب: Hossam Elkholy
    Hossam Elkholy
  • 21 يونيو 2018
  • 6 دقائق قراءة



"ألترا صوت" ثمة حكاية قديمة ربما أشبه بالأسطورة يتداولها صناع السجاد في مصر حتى الآن، إنه منذ عهد الملك فاروق كانت قد بدأت صناعة السجاد اليدوى تتخذ مكانتها العريقة عندما طلب "فاروق" من مصنع كان يسمى "القطان" أن يغزل له سجادة يدوية على هيئة عملة ورقية، بينما صممت تلك السجادة ثلاث مرات؛ في المرة الأولى اختفت التدريجات اللونية المطلوبة في السجادة مما جلع يأمر بإعادة غزلها، وفي المرة الثانية تغير محافظ البنك المركزي مما تطلب إعادة صنع السجادة، وفي المرة الأخيرة قامت ثورة يوليو 1952 التي أطاحت بالملك فاروق نفسه، وبالرغم من ذلك لا زال السجاد اليدوى من وقتها محل إهتمام وتقدير في الخارج أكثر من الداخل.


بدأ أول مصنع للسجاد اليدوي المصري "القطان" عمله عام 1930 عندما إشترى صاحبه "أحمد القطان" قصرًا في حي مصر القديمة، وعكف على تجديده وترميمه وحوّله مصنعًا للسجاد، وجعل منه مدرسة لتدريب الشباب على الحرفة، ولا يزال مستمرًا إلى الآن. وينقسم السجاد اليدوى فى مصر إلى ثلاثة أنواع وهى الحرير "الأغلى سعرًا" والصوف والجبلان، يمكن أن تتداخل فيما بينها لصنع سجادة واحدة. بالتالي يمكننا اعتبار صناعة السجاد اليدوي صناعة من أقدم الصناعات التي عرفها الإنسان عمومًا منذ أكثر من خمسمائة عام قبل الميلاد، لكنها ازدهرت في البداية بالعصرين المملوكي والأيوبي، وبعد سقوط دولة المماليك واحتلال العثمانيين بلاد الشام انتقلت معهم هذه الصناعة إلي محيط بلاد آل عثمان ومنها مصر، ومنذ هذا التوقيت وصناعة السجاد اليدوي تنتشر في مصر. لكن "بالرغم من أنها في أماكن عديدة وتحترفها قري كثيرة إلا أن قرية ساقية أبو شعرة بمحافظة المنوفية تعتبر أشهر القرى التي تعمل على تلك الصناعة في مصر" على حد قول الكثيرين.



قرية تنتج ذهب وتنام فقيرة!

في محافظة المنوفية شمال القاهرة تقع قرية ساقية أبو شعرة بالبر الشرقي لمدينة أشمون وتحديدًا على البر الغربي لنهر النيل فرع دمياط، وتعتبر بالمسمّى المصري "قرية أم"؛ بمعنى إنه لا يوجد قري أخرى تابعة لوحدتها المحلية. تبعد عن العاصمة القاهرة حوالي 355 كيلو متر. وتصنف باعتبارها قرية زراعية في المقام الأول نظرًا لخصوبة أرضها الواقعة على البر الغربي لنهر النيل فرع دمياط، بينما قيل إنها سميت ساقية أبو شعرة نسبة إلي العارف بالله سيدي أحمد الشعراوي جد شيخ الإسلام سيدي عبد الوهاب الشعراني .


ويوضح "أحمد مختار" صاحب إحدى مصانع السجاد لألترا صوت إنه يتم تصنيع السجادة اليدوية بواسطة أربع مراحل؛ تبدأ بإعداد ماكينة التصنيع التي تسمى "النول" من خلال تثبيت الخيوط التي يتم نسج السجادة عليها، ثم تبدأ المرحلة الثانية باختيار تصميم السجادة وتفريغ هذا الرسم إلى ألوان على ورق الرسم البياني ليسير عليها العمال أثناء عملية التصنيع، وثالثًا تأتي مرحلة صباغة خيوط الحرير البيضاء للحصول على الألوان المطلوبة، وأخيرًا يقوم بإعداد السجادة للبيع من خلال غسلها وكيها وتغليفها، كما يقول إن السجادة الواحدة تستغرق وقت طويل لإنجازها، يمكن أن تستغرق متوسط (شهر إلى 8 شهور) على حسب نوع السجاد والمواد الخام المستخدة فيه وكمية العمال المشاركين في صناعتها.


وبالرغم من أن هذه الصناعة يمكن أن تعتمد على بعض الخامات الموجودة أساسًا في البيئة المصرية، مثل "صوف الماعز" المتوافر لدى البدو بكثرة في مصر، بالإضافة إلى القطن المصري المعروف بجودته والذي يترك لتصديره، إلى جانب صناعة الحرير التي تقوم على استخدام بعض أنواع الحرير الطبيعي المستخرج من دودة القز التي يمكن توفير البيئة المناسبة لها، إلّا أن معظم المواد الخام التي يُعمل بها في مصر يتم إستيرادها من الخارج، على حد قول أحد أصحاب المصانع لألترا صوت.


يخبرنا أحد العمال إنهم تقدموا بالكثير من الشكاوى إلى الجهات المسئولية بداية من الوحدات المحلية المركزية وصولًا إلى وزارة التضامن الإجتماعي، "لكننا لم نتلقى أي مساعدات تذكر" كما يقول. ويضيف "إن الوضع بعد ثورة 2011 قد انحدر أكثر نتيجة قلة السياحة في البلاد وتدهور الخدمات خصوصًا في فترة الحكومة الحالية".


بينما يقول العامل "رزق الشحات" 55 عام قضى منهم 46 عامًا يعمل في السجاد اليدوي لألترا صوت إن الوضع كذلك من قبل الثورة، على الأٌقل بالنسبة للعمال، الذين لا يحصلوا إلّا على القليل من المال، حيث تحسب أجرة العامل بناء على إنتاجه ومجهوده الشخصي، ولا يتجاوز في أي حال من الأحوال 80 جنية مصري في اليوم (أربعة دولارات ونصف) بعد تسع ساعات عمل تتراكم شهريًا لتنتج سجادة يمكن أن تباع بأكثر من 80 ألف جنية تذهب لصاحب العمل، بالإضافة إلى إنه مهما بلغ من الإتقان لا يستطيع أن يعمل لحسابه الشخصي نتيجة احتكار كبار التجار للمواد الخام والخيوط والنولات المتحكمة في الصناعة.

ويضيف العاملون لألترا صوت إن البيع حاليًا يكون بنفس الأسعار التي كان يباع بها منذ تسعينات القرن المنصرم مع تدنّي الإمكانيات أي أن المادة الخام ذاتها قلت جودتها عن السابق. بينما يخبرنا صاحب إحدى المصانع رفض ذكر إسمه إنه يحتاج عمالة طوال الوقت، كثرة الإنتاج تعني مضاعفة الربح، فما يجنيه العامل يكاد يكون لا يذكر مقابل المكسب الذي يعود لأصحاب المصانع ذاتهم، بالتالي نعتمد بشكل أساسي على العمالة باليومية دون تعيين.

يقول "صاحب المصنع" إن هناك حوالي 3 عاملين فقط الذين يتواجدوا طوال العام وبشكل أساسي بينما الباقي يعمل في فترة الصيف فقط (عطلة التعليم في مصر) بالتالي في فترة المدارس تقل نسبة العاملين في المجال بشكل كبير لا سيما يقل الإنتاج أيضًا الذي يعتمد على الأطفال بشكل كبير.

في نفس السياق يوضّح أحد العمال يدعى أحمد سالم 36 عام، يعمل في صاعة السجاد من حوالي 25 عام، إن الحرير المستورد الآن أرديء من السابق باعتباره أكثر العمال خبرة في الأنواع، الجدير بالذكر إنه يتقاضى متوسط 75 جنيه مصري في حين يتقاضى غيره متوسط (30-50)، وهو ما يجعلها بالرغم من الأهمية التي تمثلها ليست مصدر رغبة للكثير من الشباب.


في المقابل حاولنا الحديث مع ابن صاحب المصنع (16عام) يعمل وسط العمال في المصنع، يقول خلال حديثه لألترا صوت إنه يحب العمل في مصنع والده، فهو يكره تحكمات الأغراب فيه، بالإضافة إلى كونه مرتاح في عمله، ويتقاضى راتب جيد بالنسبة له، يستطيع الاستئذان والإنصراف في أي وقت والعودة مرة أخرى عند حدوث أي ظرف طاريء، كما يقول إنه يمكنه الاعتماد على علاقات والده في بناء مصنعه الخاص، لأن تلك المهنة مربحة ولا تخسر أبدًا كما يقول له والده دائمًا.


في منزل بغرفة واحدة صغيرة يتجمع داخلها الجميع، وجزء صغير للمطبخ ودورة المياة، اقتطع أهلها نصف مساحتها لتثبيت "النول" للعمل، دخل ألترا صوت من باب المنزل الصغير لمقابلة "أنور محمد" الأربعيني، الذي يعمل في مجال صناعة السجاد منذ 31 عامًا. أنور "ملقن" وهي أعلى مرحلة يمكن أن يصل لها أي عامل سجاد، ولديه أربعة أطفال أكبرهم 13 عام، مثله تمامًا يعملوا في نسج الخيوط بجانب بعضها تسع ساعات يوميًا أو يزيد بملل وقليل من الأمل في الغد، ربما هو الأمل ذاته الذي جعلهم ينسجوا خيوط حياتهم الشخصية أيضًا ويحافظوا عليها من التلف وهواجس الفقر.


يعمل أنور من المنزل، ويقول إنه يستقيظ صباحًا، ليجلس على النول، حيث يعطيه صاحب العمل الخامات اللازمة لعمله من حرير وخيوط، ونول خاص به ليعمل عليه، يحصل من عمله هذا على حوالي 500 جنيه كل عشرة أيام، لا يحصل على أي شيء إذا مرض بالتالي يعتبر مرضه جريمة تؤرقة وتجلب عليه سخط زوجته.


كان أخوة "أنور" الخمسة يعملوا في نفس مجاله بمصانع السجاد اليدوي، لكنهم أغلبهم ترك المجال بعد يأسه من فتح مصنعه الخاص، حيث يعملوا هم وذويهم منذ زمن في حين يحصل أبناءهم على حوالي عشرون جنيه (دولار) بعد نهاية أسبوع عمل. لذلك يقوله إنه ربما كان قرار بعض إخوته في ترك تلك الحرفة والإتجاة إلى العمل في شركات النظافة أمرًا صائبًا إلا إنه لا يستطيع أن يفعل مثلهم لحبه تلك المهنة التي لم تجلب له إلّا الشقاء.

خيوط دقيقة بالطول والعرض يجلس أمامها "أنور" وغيره بالساعات ترى أثرها على أعينهم وشكواهم المتكررة عن ضعف نظرهم الذي يتزايد مع الوقت. كما يمكنك أن تلحظ خلال حديث "أنور" أو غيره من العمال بصعوبة تنفسه، لم يكذب حدثنا حيث علمنا أن الصوف الحرير نفسه يتطاير منه ما يسمى "الهاموش" هو ما يؤثر على الصدر.


يقول صاحب إحدى المصانع رفض ذكر اسمه "إن أكبر العقبات التي نواجهها هي تسويق منتجاتنا وبيعها، فالحكومة لا توفر معارض كافية لعرض المنتجات، خصوصًا منذ توقف حركة السياحة في الفترة الأخيرة، بينما يستطيع كبار المستثمرين في المجال تسويق منتجاتهم خارج مصر لو حكم الأمر". المفارقة إنه في الوقت الذي يشكي فيه صاحب المصنع سيطرة كبار المجال على عملية البيع والشراء، يشكي عمال نفس المصنع إنهم لا يستطيعوا فتح مصانعهم الخاصة.


حيث إنه عدد قليل ومعروف هم من يشتروا السجاد من صغار العمال، يقول العامل إنهم يقوموا بالإتفاق مع بعضهم البعض لتثبيت نفس الأسعار على الجميع، بحيث يشتروا السجاد من الصغار بأرخض سعر ممكن، ويمكن أن يضطر الصغار إلى البيع بالجنيه المصري في حين يبيعها هو بالعملة الأجنبية التي تضاعف من مكسبها بالنسبة له.


في نهاية قصة قصيرة بعنوان "هرج" للكاتب الروسي أنطون تشيخوف، يقول على لسان البطلة "العاملة الفقيرة"؛ لو أن الله يشاء فينزل الخراب بصاحبة العمل، فتمضي تتسول، لكانت تدرك كل فظاعة الفقر ووضع التبعية، وما فعلت بي كل ذلك. الأمر ذاته يقوله "العامل أنور" لكن بلغته البسيطة، ربما لا يرى في الأمر حقد منه على الأغنياء أو أصحاب المصانع لكنه يتمنى لو يرى أصحاب العمل في الوضع الذي يجبروه على العيش فيه دون رغبة منه فتسير الأمور على ما يرام.

 
 
 

Comments


bottom of page