العمر لحظة.. ما يمكننا تذكره بعد الهزيمة
- Hossam Elkholy
- 21 يونيو 2018
- 4 دقائق قراءة

"ألترا صوت" ثمة قناعة أو تصور يعبّر عنه الروائي إبراهيم نصر الله في حديثه عن الحروب تقول إن الله لم يخلق وحشًا أسوأ من الإنسان، ولم يخلق الإنسان وحشًا أسوأ من الحرب. تعبيرًا عن ما تتركه الحروب من أثر على الأموات والأحياء المهزومين بشكلٍ خاص، فاللموت رهبته كما نعلم، من هنا نود الانطلاق في حديثنا التالي، في الذكرى الخمسون لحرب 1967 وما بعدها، أي الفترة التي أعقبت الحرب.
غيرت الهزيمة آنذاك في طريقة وشكل العالم العربي برمته فأعادت تشيكله مرة أخرى، وربما لا زالت تؤثر حتى الآن على طرق الإدارة والتفكير لدى الساسة المصريين، بل على الإنتاج الأدبي أو السينمائي الذي يتناول الحرب، بالتحديد مع بعد ثقة العدو وشعوره بالضعف والإنكسار الذي نشعر به، والذي ظهر جليًا على عدد من المصريين ولا زال يظهر مع كل ذكرى للهزيمة. حتى نكون أكثر تحديدًا، نود أن نجيب عن السؤال الأشمل والأعم في الأمر، وهو كيف يعيش الناس بعد الهزيمة؟ إذ لن يقدر لنا أن نعلم ماذا يحدث لهم بعد موتهم.
يعبّر فيلم "العمر لحظة" عن تلك الحالة التي أعقبت هزيمة 67. الفيلم مأخوذ عن مسرحية كانت تحمل نفس الإسم للكاتب والروائي "يوسف السباعي" أحد الكتاب المصريين، كان يعمل ضابطًا في القوات المسحلة وبالإضافة لهذا كان دبلوماسيًا ووزيرًا متميزًا فيما بعد بحسب آراء كثيرين، ومن إخراج محمد راضي الذي اهتم بتقديم أعمال سينمائية عديدة بعد حرب أكتوبر، وإنتاج بطلة العمل الفنانة ماجدة. وعرض في أواخر سبيعينات القرن المنصرم.
تبدأ الأحداث في أعقاب الهزيمة، حيث تعيش الصحفية نعمت (ماجدة) مع زوجها عبد القادر الذي يلعب دوره الفنان أحمد مظهر، ويعمل رئيس التحرير في الجريدة ذاتها التي تعمل بها نعمت، وبينما تتحمس الأخيرة للعمل الوطني والتعبير عن آلام النكسة بالانغماس في العمل التطوعي مع الجنود على الجبهة والحديث عنهم، يظهر عبد القادر بدور رجل الدولة الذي يعلم ما لا يمكن أن يتحدث عنه من ضعف وانهزام داخل الجيش.
وفي طريقها إلى زيارة أحد المستشفيات المخصصة لمصابي الحرب؛ لإجراء بعض الحوارات مع أهالي الجنود والضباط المصابين، يأتي التأكيد المباشر والواضح طوال الفيلم على لسان أحد الضحايا بأن "الدم غالي والأرض غالية ولكن عشان مصر تعيش أغلى الناس بتموت" وتأكيد الرسالة من الجميع، حيث يفتقد الفيلم منذ البداية لأي رمزية فنية أو تعبير يترك أمره للمشاهد أن يستنتجه أو يفهمه بطريقة غير التي يريدها صانعي الفيلم، وربما يعبّر عن ذلك، الرسالة الواضحة التي تظهر في البداية لتقديم خالص الشكر بتعاون هيئة أركان القوات المسلحة المصرية لأسرة الفيلم.
ومع أول زياراتها، تصبح الصحفية نعمت هي وصلة الحب الأساسية لأحد مصابي الحرب عبد العزيز الذي يلعب دوره الفنان أحمد زكي وحبيبته ناهد الشريف. حيث يمكن أن نعتبر الصحافة والإعلام آنذاك بمثابة وسيلة الإتصال الوحيدة بين من فرقتهم تلك الحرب.
تتخلل سردية الفيلم بعض المشاهد التي تحمل الكثير من الدماء والقتل والرعب وأنين الأطفال، في الوقت الذي تحاول نعمت الصحفية الكتابة باستخدام كافة الشعارات والديباجات الوطنية التي على ما يبدو لا تناسب حجم الدمار المتواجد، أو حتى التي تعيشه نعمت ذاتها على المستوى الشخصي، حيث يتركها زوجها ويحاول الدخول في علاقة مع إمرأة غيرها، ويمنع نشر مقالاتها التي تحاول تسليط الضوء على جنود الجبهة الذين كانوا ضحايا لتخطيط سيء واندفاع طائش لقيادة ربما لم تضع في مخيلتها كل هذه الخسائر. بيأسٍ تام يتعامل الرجل الذي يعلم حققة الأمر لكنه يحاول بشتى الطرق محاولة نسيانه أو تجاهله.
وربما يعبر موت الجندي عبد العزيز في الوقت الذي يتم التحضير فيه لزفافه تعبيرًا واضحًا عن ما يمكن أن نتصوره عن الحالة التي كانت فيها الدلوة آنذاك، فيعبّر مشهد الزفاف في تصور لفهم آخر غير السياق الذي يضعه فيه الفيلم عن جهل وتغييب الجمهور البعيد عن الأحداث والذي لا يعلم منها إلّا المحدود جدًا، بينما يموت الجنود هناك ولا يسمع عنها أحد، تاركين آذانهم إلى الخطابات الملحمية التي يبشر بها القادة بالصمود والبطولة.
يحكي الفيلم عن معركة شدوان التي يمكننا أن نعتبرها بارقة أمل صغيرة في الفترة ما بين هزيمة 1967 حتى انتصار أكتوبر 1973، بدأت المعركة قوات العدو في يناير كانون الثاني 1970، منطقة شدوان بحسب المؤرخين هي "عبارة عن جزيرة صخرية منعزلة لا تزيد مساحتها على 70 كم.
وتقع بالقرب من مدخل خليج السويس وخليج العقبة بالبحر الأحمر، وعليها فنار كبير لإرشاد السفن، وتؤمن بواسطة مجموعة من قوات الصاعقة المصرية". حيث قامت قوات الإحتلال الإسرائيلي بهجوم عنيف على الجزيرة أواخر يناير على المجال الجوي والبحري استمر لساعات بين كتيبة المظلات الإسرائيلية وسرية الصاعقة المصرية. وبعد قتال عنيف ومرير استمر 36 ساعة كاملة خاضته ببسالة قوة مصرية صغيرة أضطرت القوات الإسرائيلية التى تقدر بكتيبة كاملة من المظليين للإنسحاب من الأجزاء التى أحتلهتا في الجزيرة.
أغنية بحر البقر مدرستي من فيلم العمر لحظة
بالتزامن مع معرفة نعمت بخيانة زوجها يظهر أحد الضباط المصابين (محمود) الذي يحاول التقرب منها، نتيجة ذلك تحاول أن تبادله حبها هي الأخرى، وأثناء لقاءهم في أحد النوادي، ومع لعب الطفلة (ابنة الضابط) في حمام السباحة، يستمعوا في الراديو إلى خبر مقتل الأطفال في مجزرة بحر البقر 1970، حيث "قصفت طائرات من طراز فانتوم مدرسة بحر البقر المشتركة في قرية بحر البقر بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية في مصر، وأدت إلى مقتل حوالي 30 طفلًا وإصابة 50 آخرين، وتدمير مبنى المدرسة بالكامل، ربما يحمل هذا المشهد كل ما يمكن تصويره من خراب ليس فقط لدى مدرسة بحر البقر، بل لما تعاني مصر بالكامل في ذلك الوقت.
يمكن فهم أن تلك الحرب خلفت جرحًا نفسيًا جسيمًا في الشارع المصري المدني، وفيمن حاولوا أن يعيشوا فيما بعد أكثر مما خلفته في نفوس الجنود والمصابين المصريين أو العسكريين بشكل عام، عبرت الهزيمة عن ضعف الجميع، وبالرغم من كونها لم تصب المدنيين إلا أنها قتلت أوهامهم وأحلامهم عن الجيش الذي لا يمكن هزيمته.
*عبد القادر: فيه فرق بين كبير جدًا بين المخاطرة وبين الانتحار، موقفكم دا مجرد حماس واندفاع أعمى، ع العموم إذا كان الدافع هو الاحساس بالوطن، فالأولى بشباب زيكم إنو يركز على دراسته وتسلحه بالعلم.
شاب جامعي: دا منطق الاستلام يا أستاذ عبد القادر.
*عبد القادر: قصر الكلام إنكم لازم تسيبو قرارات الحرب والسياسة للسياسيين اللي فاهمين أسرارها أكتر مني ومنكم.
** الصحفية نعمت: طب ليه سياتك مبتديهمش فرصة الكلام
*عبد القادر: عمر الكلام ما هيجيب نتيجة
** نعمت: أبدًا المسألة مسألة شجاعة وحرية رأي، مدام تقدر ليه مبتناقشهمش
*أنا مش عايز أزود التمزّق اللي هما فيه
**بالعكس دول شباب مناضل غير ملوث
*عبد القادر: يعني عاوزاني أقولهم إيه، أقولهم إن لو قواتنا نزلت القنال، إسرائيل هتغطيها بناقالم درجة حرارته تشوي السمك اللي في القاع.
**نعمت: دي مبالغة منك يا أستاذ عبد القادر
*عبد القادر: دي حقيقة واضحة.
قبيل النهاية يختصر هذا الحوار الكثير من المشاهد التي يمكن أن تحلل الأمر، رئيس التحرير الأكثر علمًا ودراية بما آلت إليه الأمور في حواره مع الصحفية التي تريد الحرب كغيرها من المصريين بدون أن تفهم حقيقة الوضع، أو ربما لا تريد أن تصدقه.
Comments