"صيف تجريبي".. فيلم تجريبي
- Hossam Elkholy

- 21 يونيو 2018
- 3 دقيقة قراءة

"ألترا صوت" "هناك منتج سينمائي خرج بحرية وصدق في النهاية"، يقول صنّاع العمل ذلك بفخر.
بعد تصوير اسمتر حوالي 4 سنوات تخللهم انقطاعات. مراحل عديدة من المونتاج غيرت تكوينه أكثر من مرة. لكن أخيرا يشاهد كثيرون ممن يهتموا بالأفلام المستقلة تذكرتهم الخاصة لحضور "صيف تجريبي" الذي بدأ تنفيذه منذ 2013.
الفيلم يحكي صراع مجموعة أشخاص تجمعهم المهنة ذاتها؛ إذ يبحث أبطال العمل (محمود وزينب) عن النسخة الأصلية من فيلم قديم صنع في فترة الثمانينات يحمل اسم "صيف تجريبى". الفيلم الذي يبحثوا عنه توجد منه نسخ مزيفة ومكررة كثيرة، لكن البحث يدور حول إيجاد النسخة الأصلية فقط من ذلك العمل "الوهمي".
يقف المشاهد أمام تلك السردية التي تعتبر الخط الرئيسي في حكاية الفيلم، لكن القصة لا تُترك بهذا الوضوح. فخلال البحث عن النسخة الأصلية من العمل يجدا بطلا العمل (محمود وزينب) صنّاع غيرهم يبحثوا أيضًا عن نسخة الفيلم الأصلية. ليحاولوا البحث معا عن تلك النسخة التائهة.
الفيلم الذي يعتبر العمل الأول لمخرجه محمود لطفي توثّق أحداثه بالتاريخ المصرى؛ الذي عرفته مصر منذ 4241 سنة قبل الميلاد، أي من خلال أسماء الشهور الفرعونية القبطية، التقويم.
وما أن يبدأ مشهد يجعلك تقف على خط معين تفسّر من خلاله القصة، وتحاول تتبعه وفهمه، يهرب الفيلم في إتجاه آخر.
في حكاية تبعُد عن قصته الرئيسية يدور حوار في أحد المشاهد بواسطة جهاز "الأنسر ماشين" بينما ينتهي المشهد ذاته برسالة مكتوبة تفيد أنه في ذلك الوقت لم يكن قد إختُرع الجهاز! مما يُزيد من الشعور الغامض لدى بعض المشاهدين في الحكم على العمل الذي لا يفهموه بشكلٍ كاف أو يعتقدوا أنه لا يفهموه أساسًا، والذي ربما هو نفسه الشعور الذي يحاول صانعو العمل إثباته: سحر السينما وحريتها المطلقة في أن تحكي حكاية بدون قيود.
القصة بدأت في تصوّر مخرجها بعمل فيلم "يحكي خلاله عن الأفلام التي لم تنته أو لم تصوّر لأسباب تتعلق بعدم وجود ميزانية كافية أو حتى عدم سعي أصحابها الكافي لعملها"، أثناء التصوير تتحوّل الرؤية إلى الحديث عن الأفلام التي يتم العمل عليها بالفعل، بداية من مؤسسي السينما المستقلة أمثال محمد بيومي ويوسف وهبي وآسيا داغر، مرورا بحكايات عن صناع سينما مستقلة أيضا مثل ظهور حكاية المخرج سيد عيسى الذي صنع أفلامه في الريف المصري بالتشارك مع أهل القرية.
تُكثّف فكرة حرية الحكي أكثر بواسطة اللعب المتعمد في شريط الصوت وعدم وضوحه في بعض المشاهد.
ثمة ملاحظة يجدر الإشارة لها: أننا لا يمكننا فصل هذا العمل الفني عن تاريخه السياسي والإجتماعي وسياق خروجه في الأساس، إذ أن تحرّك مجموعة الشباب القائمين على العمل بعد سنوات قليلة من ثورة 25 يناير في مصر كان له تأثير واعي بالتحرر من عقلية السرد القديمة ومحاولة خلق رؤية جديدة تعبر عن صانعيها.
إذن، وبالرغم من الحيرة أو عدم الفهم الذي قد يخرج به البعض منه سواء هدفت لسرد حكاية أو توثيق عمل الصناع الحقيقيين الذين يعتبروا أبطال العمل أساسا، إلى إنه في النهاية محاولة ناجحة للعمل خارج إطار التقليدي والمعروف في السرد السينمائي.
الفيلم من إنتاج مخرجه الشاب (محمود لطفي) وتوزيع "زاوية للتوزيع" التي بدأت كموزّع منذ عام واحد، وبطولة عدد من صنّاع السينما المصرية المستقلة، يحاول أن يقدّم تصوّر مختلف عن صناعة وصنّاع السينما المستقلى في مصر والعالم.
"ماحدش عارف إيه اللي بنعمله، ماحدش عارف أفلامنا، إحنا بس اللي نعرف أفلام بعض". شكوى دائمة من صناع السينما المستقلة ليس في مصر فقط يصرخ بها لسان محمود عيسى (أحد أبطال الفيلم) خلال حديثه عن مآساة الأفلام المستقلة التي تبقى محصورة في دائرة ضيقة من المشاهدين وصالات العرض المحدودة.
في الوقت ذاته الذي يشكو فيه لطفي مخرج العمل بسبب قلة الدعايا التي حظى بها الفيلم لأسباب تتعلق بنظام صناعة السينما في مصر وقلة عدد دور العرض التي تتقدم لعرض أفلام السينما المستقلة.
يقول لطفي اخترت أن أكون صادقا وحرا، وأن أُمارس ذلك على السينما التي أقدمها. كما حاولت الخروج من القوالب والتيمات الواضحة التي تحاول قولبة الأفلام وفق مفاهيم محددة ومغلوطة للسينما التي لم نعرفها سوى من 100 عام فقط.
ويؤكد لطفي خلال حواره لألترا صوت أنه حاول خلال (صيف تجريبي) اكتشاف سينما جديدة تخصنا ورؤيتنا المختلفة عن السائد بالنسبة لعالم السينما وضوابطه. حاولنا أيضًا أن نوضّح عامل الزمن لشخصيات الفيلم على مدار 4 سنوات قدمنا عمل في 70 دقيقة فقط".
"لا أريد سوى حكي الحواديت". هكذا يقول لطفي. يحثنا خلال فيلمه لتمجيد وتشجيع القائمين على صناعة الأفلام المستقلة المصرية خارج القيود والضوابط التي توضع على الصناعة من قبل الدولة، كما يؤكد على إنه لا يحاول أن يحكي موضوع بعينه ولا يريد إيصال رسالة واضحة من الفيلم لكنه يحاول أن يحكي حكاية، وذلك ما تمثله السينما بالنسبة له وربما لفريق العمل الذي شاركه اختياره.
إذا كانت أسماء الأشياء عموما تعطينا مدلولا رمزيا على ما تحويه، يمكن أن نستبطن من اسم "صيف تجريبي" بُعدًا عاما يمكننا وضع حكم نقدي من خلاله على ذلك العمل؛ يحمل "الصيف" ثمة استفزاز أو غضب تصيبنا به درجة الحرارة المرتفعة. في حين تصبح "التجربة" مكانا نتعلم خلاله العمل لإنتاج أشياء أكثر حرفية وإتقان.
لو كان صيف تجريبي مربك ومحيّر بالنسبة للبعض فإنه يظل تجربة مخرجه الأولى، وفكرة تستحق الإعجاب حتى إن كانت لم تُنفّذ وفق ما تعودنا عليه في أفلامنا سواء كانت تجارية أو مستقلة، وهو الأمر الذي قد يكون سبب تحرّك صناعه، وهدفهم الرئيسي؛ أي الخروج من عباءة التقليدية بصدق وحرية حتى إن كانت غير مفهومة بالقدر الكافي.






تعليقات