عناوين نجيب محفوظ سيئة أيضًا
- Hossam Elkholy
- 27 يوليو 2022
- 3 دقائق قراءة

أينما ذهب نجيب محفوظ لاحقته الكاميرات، كثيرٌ من الأدباء تمنوا نصف نصيب النجيب مع الجدل الذي يتصدر الناس باسمه، بداية من مساحات التجريبية القصصية ثم نبوغه وتصدره لهذا العالم وتنقله بين الأدب والسينما كيفما شاء مرورًا بمحاولات قتله من قبل متشددون وصولًا لما بعد موته دون غرابة.
الزمن تغير كثيرًا. هذا التأويل النقدي من وحي زمنه لا يتجاوزه. مبني على التاريخ ومكتوب لإثبات اللحظة، بالتالي هذه قراءة تاريخية، تقدم الواقع دون تأويل للتاريخ، تتحمل تبعات كتابتها دون صراعات الاتهام بإثارة الجدل المثار عمومًا، نحن في 2022 نثبت حالة جدل سنعود إليه بعد سنوات لنفهم أكثر أسباب غضبنا العام، الحقيقي، ليس المتخيل كما يدعي كاتب هذه السطور.
المهم، قادتني الصدفة للتواجد في جلسة نميمة سبقت عراك الحق الأدبي الذي انتهى بتنازل دار الشروق المصرية ناشر أعمال نجيب محفوظ لصالح دار ديوان المصرية الأخرى، والذي كان في جوهره صراعات بين أسرة الأديب وبين الدار. ليس على الجانب المادي فقط لكنها أشياء لا يهم ذكرها في سياقنا الحالي عمومًا بينما كان المهم تفصيلة تخص تصور البعض من أن "المرحوم لن يجد من يقدم أعماله مثل الشروق" التقديم على مستويات التوزيعي والفني أيضًا.
كانت بعض الأصوات تتشكك في نقلها غير المفهوم نوعيًا إلى ديوان لكن الرجل دون غيره كان يثق بدون مبرر فيما سيحدث من أخطاء كان على أسرة نجيب تفاديها وتحمل إتفاقات الشروق التي ترى أنها كانت سببًا في النهاية في مبيعات الرجل.
استقبل الناس خبر خروج نجيب محفوظ من وطأة الدار الأكثر تحكمًا في الجميع بفرحة عارمة متوقعة مقابل أي جهة محتكرة مهما كانت، في النهاية الدار منذ سنوات تتعثر في اختيار عناوينها، تحول نسبيًا في الاعتماد على كتابات ستبيع أكثر من اصطيادها لأعمال أدبية حقيقية، بالنسبة لي نجّمت الشروق بعض الكتّاب الذي أعتبرهم بشكل غير متحامل لا يمكنهم كتابهم كلمتين على بعض عليهم القيمة.
قررت الدار الجديدة إعادة طباعة أعمال نجيب بأغلفة جديدة تخصّها بعيدًا عن جمال قطب وحلمي التوني، قالت أنها تعتمد في صناعة الأغلفة الجديدة على "التشويق"، هل يعني هذا أي شيء لنجيب محفوظ فعلًا؟ يمكننا المرور سريعًا على جزء مهم في تجربة الكاتب ذاته.
في المرة الثانية التي قرأت خلالها أغلب ما كتبه الروائي الأشهر في العالم العربي الأستاذ نجيب محفوظ كانت قراءة تدعي التساؤل قبل كل حركة، كمسألة تأسيسية للنقد الذي أقرأ الأشياء من خلاله هذه المرة: لماذا اختار هذا أو ذاك؟ كيف تعامل مع الشخصيات هنا؟ ما الذي دفعه لهذا الاختيار دون غيره هناك؟ وهكذا.
تجربة نجيب محفوظ عمومًا كانت الأكثر ثراءً بالنسبة لي بين أبناء جيله؛ كتب للصحافة وللقصة القصيرة وللرواية وللسينما، لم يترك مساحة تجريبية لم تطأها قدمه، بالطبع يصنع ذلك بعض الشتات لكنه استطاع تجاوزه كرجل حكيم ملتزم واضح بنظرة ثاقبة وموهبة فطرية لم يعتمد عليها كثيرًا.
كل حركة صنعها نجيب محفوظ صالحة للتأويل للمساحات الأدبية والسينمائية الكاشفة للمجتمع وقتها، وربما كل اختيار يمكننا الحديث حوله كما نحب، وقتها ظهرت لديّ قناعة شخصية أصابني الرعب منها وحاولت طردها: عناوين نجيب محفوظ غير موفقة تمامًا أو ربما يمكن اعتبارها سيئة.
باستثناء عنوان أو إثنان وجدت عناوين نجيب محفوظ غير مجهدة أو ملفتة على الإطلاق، أغلبها أسماء أماكن سريعة على اعتبارها علامة يتذكرها من خلالها، وربما تخيلت دون مبالغة أنه فعلًا اختارها قبل أن ينام.
"رادوبيس" "القاهرة الجديدة" "زقاق المدق" السكرية" "قصر الشوق" "بين القصرين" "خان الخليلي" "كفاح طيبة" "الكرنك" طبعًا طبعًا لا أنسى "بداية ونهاية" الكتاب الذي جعلني أتخيل الرجل خفيف الظل وهو يكتب كلماته قبل أن يطلب العشاء.
في سياق رجل شديد الذكاء، يمكن لكتابات أن يتعلم منها الجميع، لم تمر ملاحظة عدم حبي لعناوين الأستاذ مرور الكرام، هل كانت تعني شيء؟ لا أبحث كثيرًا وراء تساؤلي للأسف، لكن في عدد تذكاري لدار الهلال كتب نصًا المفهوم من تجربته على أنه يهتم بجوهر الأشياء التي يصنعها نفسها وربما في قلبها ما يمكن تأويله بعدد اهتمامه كثيرًا بالعنوان والصورة التي تصنع "التشويق" الذي تسابقت ديوان لصناعته.
التشويق في سياق نجيب كان في جوهره رؤسة ثاقبة لما يريده فعلًا فيما بعد بينما يبدو في سياق الدار وأغلفتها شديدة الركاكة هدف في ذاته أن تصبح الأشياء بفجاجتها أكثر لفتًا للأنظار كتعبير مادي مذهل عن عصر بأكمله يحركه ذلك في سياق حدوتة حول رجل كان من بين دروسه الأكثر قربًا إلى قلبي تجاهله للعناوين _على الأقل في رأيي- وتجاوزه لعضم الأشياء.
الحركة الثقافية عمومًا التي يحركها هذا التشويق هو جوهر السعي لصناعة عناوين وصور وأعمال فنية كاملة ملفتة للنظر، للمفارقة جاءت هذه المرة في سياق رجل مثل نجيب محفوظ الذي في رأيي لو كان بيننا لن يزيد رأيه عن رأي ابنته على أنه القصة مجرد أذواق، جوهر في الاستفادة من تجاهل "التشويق" لصناعة تجارب حقيقية غير ملفتة للنظر على حساب ما في داخل.
هل تؤيد هذه السطور فجاجة أغلفة ديوان السيئة لأعمال نجيب محفوظ؟ نعم. هل تتعالى هذه السطور على الغضب العام الذي سببته أغلفة ديوان على اعتبارها تسيء للثقافة ولنجيب محفوظ ولسمعة مصر في الخارج؟ نعم أيضًا، الثقافة وأصحابها مشاكلهم متجاوزة لمشكلة عابرة يمكن حلها طبعًا، ومأسآتها الأكبر في أننا لم نر بارقة أمل في نجيب محفوظ جديد بدلًا من التباكي المبالغ فيه من أشخاص يقتلهم الفراغ والغضب الذي يبعد قليلًا عن وجهته الحقيقية بدافع الخوف طبعًا إلى تلك التفاهات التي تحيط كل شيء لتخنق الجميع.
Commentaires