top of page

aboutMe

Egyptian writer and photographer, graduated from the Faculty of Media and Communication Arts, Radio and Television Department, interested in writing in philosophy, literature and film criticism.

فيلم 107 أمهات.. هل نتعاطف مع المذنبات؟

  • صورة الكاتب: Hossam Elkholy
    Hossam Elkholy
  • 20 ديسمبر 2021
  • 3 دقائق قراءة




ثمة شيء شديد الصعوبة يشغل عقول صناع الأدب والسينما يخص القالب الذي يختاره الفنان لنقل حكايته للقاريء أو المشاهد. أحدهم يختار المباشرة بينما يختار الآخر المجاز، حيرة شديدة وتردد حول كيفية المنتج النهائي للعمل الفني تنتج ذاتها مع كل عمل جديد مهما تعددت سيرة الفنان.


من بين هؤلاء سنجد المخرج الأوكراني بيتر كيركس الذي اعتاد أن يحكي قصصه دائمًا في قالب تسجيلي وتوثيقي للأحداث الحقيقية بينما اختار هذه المرة أن تخرج قصته في قالب درامي تسجيلي مستوحى من أحداث حقيقية.


الأحدث المؤسسة لفيلم "107 أمهات" الموجود في المسابقة الرسمية للمهرجان، يحكي قصص حقيقية من داخل السجون في أوكرانيا. يسرد قصة سجينة تضطر إلى ولادة طفلها أثناء فترة سجنها. سنفهم بعد ذلك أنها تقضي عقوبة مشددة نتيجة قتلها لزوجه ووالد الجنين الذي تحمله.


يبدأ الفيلم من منطقة حيادية تمامًا، مجردة كالمجاز الذي تقدمه، سيدات يجلسن في انتظار قياس الطول والوزن ببطون منتفخة بأطفالهن. في لمحة بصر شديدة القسوة والصدامية ننقل فجأة لمشهد ولادة حقيقي يراه الجمهور لطفل يخرج من رحم أمّه.


التأسيس لتلك الصدمة العنيفة على أغلب المشاهدون الذيسن سمعت صراخ بعضهم أثناء العرض في السينما جزء من هوية الحديث عن الفيلم أساسًا الذي لا يريد أن يخرج من قلب صلابة واقعيته وتسجيليته التي اعتاد المخرج أن يعمل من خلالها.


داخل مشهد واحد مؤسس بين السجينة الأم والفتاة السجّانة سنفهم كل ما نحتاج فهمه عن السياق والقصة والمرأة التي قتلت زوجها، تقضي فترة عقوبة سبعة سنوات، تلد طفلها في العام الأول، تستمع إليها سجّانة فتاة لم تتزوج،تقضي أغلب أوقاتها في التصنت على قصص وجوابات السجينات وتخاف من كل شيء على عكس ما يبدو.


فترات طويلة من الصمت والوحدة على الجانبين؛ تعيش السجينة في التفكير بالمصير المنتظر لطفلها، وتعيش السجانة حياة لا يوجد فيها أكثر من التصنت على بقية السجينات كهوس تجاوز مجرد روتينية العمل، إلى جانب طفل يضع أقدامه المقدسة داخل مجتمع سلطوي سيفهم تأثيره بعد ذلك.


ما الذي يمكن أن تعيش لأجله إنسانة تعرف مسبقًا أنها ستبقى أسيرة الغرفة التي تجلس فيها لسنوات قادمة؟ وكيف يمكن لسجّانة تسمع كل يوم مآسي قصص زواج سيدات سجنت أصحابها وقتلتهم أن تؤمن بالحب؟ من البطل الحقيقي للقصة درميًا؟


تنسحب فرشة الحدوتة الحقيقية المحكية دراميًا لتجعل الجميع أبطال بشكل أو بآخر، لكننا ننطلق من المساحة التي يشغلها الطفل، الذي سيصبح رجلًا بعد ذلك في فيلم لم نشاهد فيه على مدار مشاهده رجل ينطق بكلمة واحدة، تحكمه النساء بشكلٍ كامل.


الطفل: مشروع الرجل، الذي لا يتكلم كثيرًا يحرّك كل شيء، المرأة التي تحاول التصالح مع عالمها المؤلم الذي تتمنى دخوله وتجربته، والمرأة الأخرى التي تنتطق من أحلامه البِكر التي تهوّن عليها سنوات الصمت والألم وتتناساه.


تُغلق الدائرة مع كل تحرك للمشاهد الفيلمية الممنتجة بخفّة وسلاسة تؤكد واقعيتها بين السيدتان، حتى نواجه عقدة خطورة رحيل الطفل من المشهد أساسًا وكيفية تعامل كل سيدة منهن مع الأمر.

في "جوستين" للكاتب المذهل لورانس داريل يكتب شيء شديد الدقة، يقول: "عندما كنت طفلًا لم يكن مصير أي من شخصيات التاريخ المقدس يبدو لي أكثر بؤسًا من مصير نوح، بسبب الطوفان، الذي أبقاه محبوسًا في الفلك طيلة أربعون يومًا، فيما بعد غالبًا ما كنت أقع فريسة للمرض، وكنت لفترة أيام طويلة مضطرًا للبقاء في الفلك أن أيضًا، وفهمت عندئذ أنه لم يكن قط بوسع نوح أن يرى العالم أفضل مما أتيح له أن يراه من الفلك، رغم أن هذا الأخير كان مغلقًا وأن الليل كان منتشرًا على الأرض".


هناك شيء مستقر في قلب كل ذلك يخص العالم الضيق الذي نرى الأبطال من خلاله: السجن، الضيق الذي بالرغم من كل شيء يبقى المكان الهاديء الأكثر وضوحًا لإتخاذ قرار مصيري يمكن البناء عليه بعد ذلك، قرار يحمل خطورة وصلابة المكان الذي يخرج منه.


لم يكن للنبي نوح أن يرى العالم أفضل من مكان حبسته وظلامه، وكذلك لم يكن في اليد حيلة من تغيير الماضي المؤلم؛ لدى السجينة التي أدركت جيدًا كيف يمكن للحب رغم كل شيء أن يغير نظرتها للعالم، وكيف يمكن لكل القصص القاسية التي استمعت لها السجّاة على مدار سنوات طويلة أن تكون المؤسس لحياتها الجديدة التي اختارت تجربتها والتي خُلقت أساسًا من وجودها داخل هذا العالم الضيق.

شهادات حية تعترف فيها السجينات بارتكابهن ما يجعل فترات عقوبتهن مستحقة، لكنه يحكيها في إطار حكايات معاناتهن كسيدات حوامل يقضين ذلك في السجن، هل يحملنا الفيلم على التعاطف مع المذنبات؟ أعتقد أن الفيلم يتجاوز التعامل الأخلاقي مع القصة إلى مساحة تأملها. وربما للسبب ذاته خرجت القصة دراميًا، إلى جانب التعاطف أو عدم التعاطف نجلس نتأمل في مصير الحياة التي تولد من داخل حياة خاوية ميتة، فقط عن طريق الحب، وأنه، رغم كل شيء، يمكن الاعتماد على جملة الإمام الغزالي: ليس في الإمكان أبدع مما كان.


 
 
 

Opmerkingen


bottom of page