كيف يؤثر تحسين العلاقات بين روسيا وتركيا على الصراع في سوريا؟
- Hossam Elkholy

- 21 يونيو 2018
- 5 دقيقة قراءة

"ألترا صوت" ثمة مثل عربي قديم يقول أن "عدو عدوي صديقي". ربما يمكننا من خلاله تفسير العلاقات التي تجمع الرئيس فلاديمر بوتين في روسيا مع الرئيس رجب طيب أردوغان في تركيا؛ فهُما يواجهان انتقادات متزايدة من الحكومات الغربية بسبب سجليهما في مجال حقوق الإنسان والحريات سواء داخل بلاهما أو خارجها. هذا بالإضافة إلى وجود مصالح مشتركة بينهما داخل سوريا تتعارض مع دول أخرى هناك، حيث جاء أول اجتماع بينهما بعد الهجوم الكيماوي الأمريكي في الرابع من أبريل نيسان على مدينة خان شيخون السورية الذي أسفر عن سقوط عشرات من القتلى، والذي يتعارض ومصالحهم هناك.
لذلك أوضح "بوتين" في مؤتمر صحفي أن العلاقات مع الجانب الروسي تعرضت منذ فترة "للإختبار" مثلما هو معروف، أمّا حاليًا يمكننا القول إن عملية التعافي في العلاقات الروسية التركية اكتملت، ونحن بصدد العودة إلى شراكة تعاونية طبيعية، بل إن موسكو ستبدأ في عمل صندوق استثماري مشترك مع تركيا برأس مال قد يصل إلى مليار دولار. وأكّد إن روسيا مستعدة لمساعدة تركيا في تحسين التدابير الأمنية في منتجاتها السياح.
وقال فلاديمير بوتين خلال اللقاء الذي جمعه بأردوغان قبل أيام "إن العلاقات مع دولة تركيا قد تعافت بشكلٍ كامل، بعد الأزمة التي سببتّها إسقاط أنقرة طائرة حربية روسية قرب الحدود السورية في 2015. كما أكّد مرة أخرى أن العلاقات عادت في آخر الأمر إلى طبيعتها وإن التبادل التجاري بين البلدين توقف عن التراجع. بينما قال إردوغان إنه يقف مع أصدقائه الروس في الحرب ضد الإرهاب والجماعات المتشددة التي تستخدم العنف.
ويرجع الطرفان الفضل والدور الكبير لهما بالإضافة إلى التعاون الإيراني، حيث إنهم ليس فقط وضعوا حدًا للقتال بين القوات الحكومية السورية والمعارضة المسلحة، أيضًا أعربوا عن مساندتهما للمقترح الذي أيدّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيضًا، الذي يدعو لإقامة ما يعرف بمناطق آمنة في سوريا لحماية المدنيين من القتال.
على ما يبدو إنه جاء إسقاط تركيا لطائرة الروسية في وقت كانت تعيش فيه علاقات البلدين حالة توتر شديدة وتحريض متبادل، بينما جاءت حادثة اغتيال السفير الروسي في تركيا عندما كان هناك تقارب البلدين بما فيها الملف الأكثر تعقيدًا وهو الأزمة السورية حيث صرّح أردوغان بالتراجع عن تصريحات سابقة قال فيها "أن تركيا دخلت سوريا ضمن عملية درع الفرات لإنهاء حكم الأسد، وأكّد على أن هدف تركيا من دخول سوريا هو ليس دولة أو شخصية معينة، بل هو محاربة التنظيمات الارهابية إلى جانب التوافق الضمني بين البلدين على تفريغ حلب من المعارضة السورية والسكان المحليين المناوئين للأسد".
أيضًا كان ازدياد الضغوط الغربية والعزلة السياسية لهما كبير الأثر على مضاعفة الأزمة الإنسانية في سوريا، كما أدى تراجع علاقات تركيا مع كل من الولايات المتحدة وأوروبا إلى إقتناع السياسيين الأتراك والروس لحاجة البلدين لبعضهما.
إلى جانب أسباب كثيرة غير التي ذكرناها، يمكننا بناء التعاون الحالي بين روسيا وتركيا على سببان رئيسيان كلاهما نابع من المصالح المشتركة داخل الملف السوري؛ أولهما ما قامت به القوات التركية منذ أيام حيث شنّت غارات عسكرية على مواقع تابعة للأكراد أو حزب العمال الكردستاني المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أثار غضب الأمريكيين. الأمر الثاني جاء بعد الضربة الأمريكية "الفردية" لمطار الشعيرات في سوريا لقوات تابعة لبشار الأسد المدعوم من روسيا، وهو ما أثار بدوره غضب بوتين في روسيا.
فقد استعاد مجموعات الأكراد في سوريا؛ الذين لا يزالون متضررين من الضربة التركية لهم طاقتهم العسكرية بعد الدعم الأمريكي الكامل لهم، والذي وصل لحد تواجد وحدات من القوات الأمريكية بجانبهم على الحدود السورية التي تجمعهم مع تركيا، بهدف وجود انفصال شبه كامل بين الأكراد وتركيا، كمحاولة واضحة "لتحذير" القوات التركية من أي هجوم محتمل.
تتعارض الرؤية الأمريكية للصراع السوري مع الرؤية التركية الروسية للصراع، بينما ترى الولايات المتحدة سوريا كاملة تحت راية رئيس واحد باستثناء بشار الأسد، يرى الجانب الروسي أن بشار الأسد قد يصلح اعتباره رئيسًا لدولة فيدرالية أي مقسّمة إلى مناطق مختلفة، يحكم كل منطقة فئة معينة.
كما تناولوا مجدّدًا إلتزامهما بالعمل معًا لإنهاء الصراع السوري، على الرغم من هجوم بالغاز على مدينة سورية وضع تحالفهما الهش في اختبار بحسب وكالة رويترز. وتوصلا إلى تفاهم بشأن سوريا على الرغم من مساندتهما لطرفين متصارعين في الحرب الأهلية هناك. لبوتين الذي يدافع عن الأسد.
إذًا، جاء التعاون الثنائي بين روسيا وتركيا كنتيجة حتمية لعمل تحالف مشترك يستطيع من خلاله أي طرف الحفاظ على المكاسب الشخصية له داخل سوريا في مقابل التصدّي للولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر الأقوى إذا قرر أحدهم مواجهتها بشكل فردي.
مصالح مشتركة تجمعهما
عادت العلاقات بعد الانقلاب الفاشل على رجب طيب أردوغان في تركيا، حيث تمثّل الإدارة الحالية لتركيا ضرر كبير على الغرب، وهو نفس الأمر بالنسبة لفلاديمر بوتين في روسيا، بالتالي فإن التعاون بينهما يجني ثماره غير المباشرة حتى لو لم ينجح في التوصل إلى رؤية مشتركة على أرض الواقع.
تعتبر روسيا ثاني أكبر سوق يخدم قطاع السياحة داخل تركيا. بالتالي أدت إنقطاع العلاقات إلى تراجع عدد السائحين الروس القادمين إلى تركيا بنحو 93 %. بينما تعتبر روسيا وجهة تصدير رئيسية لصناعة الغزل والنسيج والفاكهة والخضروات التركية. وهو ما لن تسمح به الدولتين أن يحدث مرة أخرى.
كما أعلن بوتين إلغاء مشروع السيل الجنوبي لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا، ردًا على العقوبات الأوروبية، واستبداله بمشروع السيل التركي، الذي يهدف إلى نقل الغاز الروسي عبر البحر إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.
أيضًا يمكننا القول أن تركيا تعتمد على روسيا في ما يزيد عن نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي الذي يستخدم في التدفئة وتوليد الكهرباء. كما يعتبر الغاز الروسي عاملا حيويا لدعم الاقتصاد التركي المتنامي. أيضًا يجمعهما معًا مشاريع ومناقصات مشتركة.
ماذا يعني ذلك بالنسبة لسوريا؟
على ما يبدو إن روسيا وتركيا تدركان بشكل كبير أنهما بحاجة لبعضهما البعض. بالرغم من أن جميع الأطراف في سوريا تتحدث دائمًا عن محاولة تبنّى وجهة النظر التي تفيد باستحداث آليات تتضمّن وقف إراقة الدماء وتهيئة الظروف لبدء حوار إلى إنه يوجد ثمة تعارض واضح للرؤية المستقبلية داخل سوريا؛ بينما نجح التدخل العسكري الروسي لدعم بشار الأسد في الإبقاء علىه في السلطة، تقف تركيا على الجانب الآخر لتساند جماعات المعارضة المسلحة التي تحاول الإطاحة ببشار.
تحاول تركيا بشكلٍ واضح تمامًا وربما تساعدها في ذلك السعودية فقط، أن تجعل استمرار بشار الأسد على رأس السطلة السورية شيئًا لا يمكن تقبله. بينما تشعر تركيا بغضب شديد تجاه حجم الدعم الجوي الذي توفره روسيا للقوات الحكومية السورية وللدعم الروسي الكامل لبشار الأسد.
في المقابل تتهم روسيا الدولة التركية بدعم فصائل المعارضة المتشددة المناهضة للأسد. غير أن تركيا أظهرت مؤخرا مؤشرات على التخفيف من حدة مواقفها بشأن الرئيس السوري، ويُحتمل أن تتيح تلك المباحثات فرصة للبحث عن أرضية مشتركة على حد قول الخبراء.
وبالرغم من التعارض المصيري إلا إنهما يتشاركان الرؤية نفسها بالسعي للقضاء على الدولة الإسلامية في سوريا "داعش". بينما لا يمثل الأمر أهمية كبيرة للولايات المتحدة والغرب لا سيما إذا تم الإتفاق ووقف إطلاق النار بالإضافة إلى إبادة العناصر الإهابية التي تمثلها الدولة الإسلامية.
إجمالًا، قالت وزارة الخارجية التركية إن اتفاقا جرى التوصل إليه في قازاخستان لإقامة مناطق آمنة داخل سوريا سيشمل كل إدلب وكذلك أجزاء من حلب واللاذقية وحمص، وإن الاتفاق سيحظر استخدام جميع الأسلحة. ووقعت روسيا وإيران وتركيا مذكرة تفاهم بشأن إقامة مناطق آمنة في سوريا في حين انسحب "غاضبين" الوفد التابع للمعارضة السورية المسلحة من جولة جديدة من محادثات السلام في آستانة عاصمة قازاخستان. وصاح أعضاء الوفد غاضبين وهم ينسحبون. وترعى روسيا وتركيا وإيران عملية السلام في آستانة.
تمثّل الولايات المتحدة الأمريكية خطرًا واضح على المصالح الروسية والتركية لاسيما الإيرانية داخل سوريا، بالتالي ربما يؤدي تعارض الرؤى إلى المزيد من التخبط أو تعطيل تنفيذ الحلول السابق ذكرها، لكن ربما يثمر الضغط المتواصل إلى إقرار بعض الحلول التي يجتمع عليها أغلبية أطراف الصراع.






تعليقات