لماذا يغضب بعض المصريين من الفتاوى في رمضان؟
- Hossam Elkholy
- 21 يونيو 2018
- 5 دقائق قراءة

على ما يبدو أن وجود تعجب أو سخرية لدى بعض المصريين كل عام من الفتاوى التي تظهر في رمضان لم يعد شيئًا جديدًا، فمع استقبال رمضان جديد، نستقيظ لنجد بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي قد امتلأت بردود الأفعال على فتاوى الصيام، والتي غالبًا ما تسخر منها على أي حال. نتناول في هذا التقرير بعض الفتاوى التي أثارت الجدل، ونحاول التعرّف على آراء رجال الدين في أسباب تلك الحالة.
تعرّف الفتوى على أنها "مرسوم ديني يقوم بإصداره علماء الشريعة الإسلامية المتخصصين، على اعتبار أنها مسؤولية كبيرة، فرجل الدين في هذه الحالة ينصّب نفسه للتوقيع عن الله في أمور جدلية مثل الأمر أو النهي أو إطلاق مسميات مثل الحلال والحرام ومستحب ومكروه وغيرها". وبالرغم من أهمية الفتوى بشكل عام إلا إنه لا يوجد في الإسلام سلطة مركزية وحيدة لإصدارها بالتالي فهي غير ملزمة للجميع.
فالفتوى في الأساس ظهرت بسبب اختلاف نظرة المسلمين للعالم من حولهم، بل والاختلاف في مذاهبهم أيضًا، من جهة إن كان الفرد المسلم سنيًا أم شيعيًا، حيث نجد ثمة فرق جوهري بين نظرة كل منهما لمفهوم الفتوى؛ فهي تعتبر في المذهب الشيعي مرسوم ديني ملزِم لكل فرد شيعي، بخلاف السنة الذين يعتبروها غير ملزمة للجميع.
كان إنشاء دار الإفتاء المصرية عام 1895، التابعة للأزهر الشريف؛ أعلى مرجعية سنية دينية في مصر والعالم الإسلامي، لتكون المرجعية الأساسية للفتوى في مصر والبلدان الإسلامية بهدف عدم التشتت واختلاط أمور أهل السنة المسلمين وسط كل المفاهيم التي كانوا يواجهوها. ويتخطى عدد الفتاوى التي تصدرها سنويًا منذ تأسيسها عشرات الآلاف.
وبالرغم من كثرة الفتاوى التي تصدرها دار الإفتاء على مدار العام، إلا إن عدد كبير من الفتاوى التي تصدر في شهر رمضان تظل الأكثر رواجًا وربما أهمية أيضًا، نظرًا لما يمثّله الشهر الكريم نفسه من قدسية دينية مختلفة، حيث "تترصد" على حد قول أحد علماء الأزهر الشريف، وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي الفتاوى التي تخص العبادات والصيام في رمضان كل عام، لتصبح أغلب الفتاوى محل خلاف وسخرية إذا لزم الأمر.
تؤكد دار الإفتاء المصرية أن شروط الصوم واضحة ولا تحتاج إلى كل ذلك الجدل، فما من شخص "مسلم" تتوفر له شروط البلوغ والعقل والصحة والإقامة إلا وجب عليه الصيام، ههناك بعض الاستثناءات التي تظهر لكنّها لا تستدعي ذلك الجدال والفتاوى التي لا تستند على أي أساس من الصحة. وإن الصيام من باب الحديث الذي يقول "تخلّقوا بأخلاق الله" كما جاء على لسان أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية.
لكن ربما لأن الأمر ليس بهذا السهولة التي وجدناها في رد بعض رجال الدين، وبدورنا ذهبنا إلى لجنة الفتاوى المصرية حاملين معنا بعض تلك الفتاوى التي أثارت الجدل على مواقع التواصل الإجتماعي في الفترة الأخيرة، بينما جاء رد لجنة الفتاوى "بأن تلك الأشياء ضلالها أكثر من نفعها، بالتالي لا يجب الرد عليها". وأكدت اللجنة أن هؤلاء الذين يصدّروا تلك الفتاوى "غير متخصصين"، وإنه يجب رد الأشياء لأهلها بالتالي إذا وجد الفرد ما يستعصي على فهمه أو ما يسبب له حيرة، عليه أن يأتي لأهل التخصص والعلم.
أيضًا وصفها مسئول بدار الإفتاء المصرية رفض ذكر اسمه بأنها "عفن فكري ونقص علم" وأضاف أن تلك الفتاوى لا يوجد هدف أساسي ورائها غير شهرة صاحبها، حيث إنها من البداية لا تستند على أساس ديني، فهي أيضًا لم تشغل أذهان الناس قبل ذكرها.
وأشار في ذلك إلى التسلسل التاريخي لبعض الفتاوى "الغريبة" من بداية الشهرة التي نالت المفكر جمال البنا عندما أباح التدخين في نهار رمضان وصولًا إلى الفتوى التي ذكرتها قناة "الحرة" منذ أيام على لسان أحد المشايخ الذي قال "إنه أجرى حسابات بالنسبة للمواطن المصري ووصل إلى نتيجة مفادها أن الصيام ليس فرضًا على كل مصري يقل راتبه عن 500 دولار شهريًا. وبرّر ذلك بأن الفقير (بحسب الحديث النبوي) هو الذي لا يملك قوته وقوت أسرته لمدة شهر والذي لا يملك منزلًا، والذي لا يملك دابة، وهي تعادل سيارة في وقتنا الحالي".
فتاوى تسببت في إثارة الجدل "غير المبرر"
على الرغم من كثرة تلك الفتاوى إلا إنه على ما يبدو يمكننا اعتبار عضو مجمع البحوث الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء بالإضافة إلى كونه مفتي الجمهورية الأسبق "علي جمعة" من أكثر الأشخاص الذي يثار بسببهم الجدل حول جدوى بعض الفتاوى سواء التي تخص رمضان أو غيره.
أفتى الشيخ علي جمعة منذ فترة بجواز إفطار "المصيفين" في رمضان، بمعنى أنه بذلك يبيح للمسافرين من أجل النزهة والفسحة في رمضان الإفطار بشرط الاستغفار لله وتعويض تلك الأيام في غير رمضان، وذلك على اعتبار أنهم على سفر. كان لتلك الفتوى نفس التذمّر والمفاجأة التي كانت عند إصداره فتوى أخرى "تبيح إقامة صلاة الجمعة سواء في رمضان أو غيره، قبل ميعادها بثلاث ساعات من صباح الجمعة، أي من بعد الساعة التاسعة صباحًا حتى توقيت الصلاة الرسمي، وهي الفتوى التي جاءت بعد إقامة الصلاة بمطروح حيث كان يخطب فضيلة الشيخ علي جمعة بحسب التوقيت المحلي بمدينة القاهرة أى قبل وقتها بربع ساعة".
كما أجاز جمعة النوم من بعد صلاة الفجر حتى وقت الإفطار في رمضان. وقال أيضًأ إنه لا يجب أن تشعر بالذنب نتيجة تكاسلك عن أداء النوافل فأنت تستطيع أن تعوّضها. وبالرغم من خوف البعض من السباحة في نهار رمضان، إلا أن "جمعة" قال إنها لا تفقد الصائم صومه. كما أكدت دار الإفتاء على ذلك لألترا صوت وأضافت استثناء "ألّا يدخل الماء إلى جوف الشخص".
أيضًا أجاز الشيخ وضع العطر في رمضان، لكنه علق بأن تركه أولى وأفضل، باستثناء هؤلاء الذين لا يستطيعوا الخروج بدون وضع العطور أو الذين يأنفوا من أنفسهم حين لا يضع وعليهم أن يقتصدوا، وقال أيضًا إنه يجوز حف الحاجب وليس "نمصه" كاملًا أي إزالته بالكامل وإعادة رسمه، مع أن ذلك من باب الكراهية، وقال إن الكراهية لا تعني الحرمة ولكن تعني الجواز. كما اتفقت معه دار الإفتاء على ذلك فيما بعد.
https://www.youtube.com/watch?v=sc9ulkVOUv8 حكم العطر والحاجب
يقول "محمد" 33 عام إنه يرفض وضع العطر في رمضان لأنه يشعر أن الأمر "مشتبه به" بل إنه لا يثق في بعض الفتاوى التي يسمعها في رمضان في العموم، مشيرًا إلى تلك الآراء التى يقرأها في مواقع التواصل الإجتماعي منسوبة لبعض الشيوخ بأن "كل الناس بقت تفتّي" على حد قوله. كما يؤكد نفس الرأي صديقه "أحمد السيد" 29 عام.
في نفس السياق يقول علي جمعة "من صام وهو لا يصلي، فإن صومه صحيح لكن يسقط عنه الفرض؛ لأنه لا يُشترط لصحة الصوم إقامة الصلاة، ولكنه آثم شرعًا من جهة تركه للصلاة، بالإضافة إلى إنه مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، وعليه أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى.
إلى جانب ذلك أفتى أيضًا بأن صلاة التروايح إذا كانت في البيت فهي "جائزة" بل إنها تفضل على المسجد إذا كانت الهمّة يقظة فلا مانع "فحيث حيث ما تجد قلبك" واستشهد بقول النبي "أن أفضل صلاة المرء في بيته". في المقابل يعارض ذلك شيخ مصري رفض ذكر اسمه باعتبار عظم أجر صلاة الجماعة على صلاة المنزل، وتعظيمها في هذه الحال.
بعض هذه الفتاوى قد لاقت تعجب وسخرية من وسائل إعلامية عديدة عند طرحها للمرة الأولى، من قبل البعض إلا أن لجنة الفتاوى المصرية أكدت الأمر بعد ذلك لألترا صوت مشيرة إلى قول الله "إنما يتقبل الله من المتقين". فالأمر يتعلق بالتفسير الصحيح لكلمة المتقين. بينما يؤكد بعض رجال الدين إنه يجب التمييز بين الفتاوى التي يأتي وقعها "غريب" على البعض رغم تأصيلها الديني، وبين تلك التي تصدر طلبًا للشهرة دون أي أساس ديني، مثل الفتوى التي أباحت شرب الماء في نهار رمضان، والتي تتعارض كليًا مع نصوص الدين.
ويختتم ذلك أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية "عويضة عثمان" معي بقوله "أن الأمر لا يخص فتاوى شهر رمضان بالتحديد، ولكن لأن تلك الفتاوى التي تخص الشهر الكريم هي التي تتصدر وسائل الإعلام المختلفة، وإن ذلك التعجب أو السخرية التي يتعامل بها البعض مع هذه الفتاوى يعود إلى تقديم عاطفة الفرد وإحساسه الداخلي على العلم والفهم بأمور الدين".
Comments