top of page

aboutMe

Egyptian writer and photographer, graduated from the Faculty of Media and Communication Arts, Radio and Television Department, interested in writing in philosophy, literature and film criticism.

مرآة رضوان الكاشف

  • صورة الكاتب: Hossam Elkholy
    Hossam Elkholy
  • 7 يوليو 2018
  • 5 دقائق قراءة




"ألترا صوت" في تدوينة شديدة الخصوصية نتلمّس خطى مشروع سينمائي بمثابة ثورة صانعه التي حدثت في هدوء يتناسب تمامًا مع رحيله.


في السادس من أغسطس 1952 بعد أسابيع قليلة من ثورة يوليو، استقبل حي السيدة زينب الشعبي مولود جديد. بالرغم من جذوره الأولى التي تنتمي لـ"كوم أشقاو" في سوهاج الصعيد إلى أن أسرته تركتها وجاءت به للقاهرة.


إلى جانب درسته للفن والفلسفة والمسرح أوجد الشاب الصغير السياسة في حياته، فنجده يشارك الآلاف في انتفاضة يناير "انتفاضة الخبز" 1977، واتُهم بالتحريض عليها مع آخرىن. وقُبض عليه عام 1981 في حملة السادات لاعتقال عدد من المثقفين.


كما انشغل كثيرًا بالشعر، وقدم عدة أبحاث ودراسات في الفلسفة الصوفية عند الأعلام الكبار: "أبو نصر محمد الفارابي" و"محي الدين ابن عربي" و"ابن الفارض"، ثم تخرج ليصدر كتابين أحدهما عن كاتب الثورة بعنوان "الحرية والعدالة في فكر عبد الله النديم"، والآخر للمفكر المجدد بعنوان "قضية تجديد الفكر عند زكي نجيب محمود".


فشلت محاولات الاعتقال توقيفه عن تنفيذ رؤيته، فخرج كأنه كما هو. ذهب ليدرس في معهد السينما في عام 1984 ليصبح التلميذ الأمثل وأول دفعته، يفوز بجائزة العمل الأول من وزارة الثقافة في عام 1988عن أول أعماله القصيرة والروائية الطويلة "فيلم الجنوبية" الذي يحكي عن رفض فتاة متحررة تقاليد مجتمعها الذي أجبرها على الزواج من شخص لا تحبه، تضطر لإيجاد عشيق كحب اختياري في حياتها.


كانت رؤيته أن يجعل المشاهد يتعاطف مع البنت التي ترفض اختيار المجتمع علّها تتلمس حبًا لم تجده. الفيلم لم يُعرض حتى الآن، يقول أصدقاء الكاشف المقربون، إنه "من أجمل أفلامه، وأيقونة ثوريته".

عقب هذا الصخب والحراك المجتمعي ظهر وجه آخر في صمته عن المشاركة المستمرة سواء سياسيًا أو فنيًا لعدة سنوات، كان يُسأل خلال حواراته عن عدم تناسب أفلامه القليل مع مشواره الفني، يجيب: بدأت أساسًا بدراسة الفلسفة وكانت لي تجربة سياسية أخذت وقتًا، عملت مساعد مخرج لفترة، وكانت في حياتي شروط قاسية أخّرت إخراجي، كل ذلك إلى جانب حرصي على إنجاز أفلام حقيقية؛ فمسألة أن تجد سيناريو يدهشك ليست سهلة، وإذا وجدته تبحث عن منتج، ولك أن تتخيل أنني انتظرت عشرة أعوام لأجد منتجًا لأحد أفلامي وأنا أعتني بعملي جدًا وأكون دقيقًا ومعنيًا بأدق التفاصيل".


"لا يمكن صناعة التاريخ دون شغف، دون الرابط العاطفي بين المفكرين والناس". كان المفكر والكاتب أنطونيو غراميشي يردد ذلك طوال حياته، يتعايش معها كمحرك لواقعه وخياله. كذلك كان المخرج الفيلسوف: رضوان الكاشف.



فيلم ليه يا بنفسج.. الحب المستحيل

أُختير ضمن أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، واقعية جديدة بمشاركة كاتب لا يمكن إغفال دوره في الرحلة؛ المؤلف سامي السيوي، صديقه الذي قال في أحد لقاءاته إن "صداقتهم سهّلت فكرة بوح كل منّا ما يراه دون خجل أو حسابات، وأن التفاهم بيننا جاء نتيجة العشرة الطويلة والثقافة ونحن نقترب من منطقة واحدة في رؤيتنا للأدب والسينما وهموم الواقع الذي نريد التعبير عنه.


سنجد إهداء خاص داخل كل فيلم للكاشف، شيء مهم أو أشخاص بعينهم خلقوا إلهامه. في "ليه يا بنفسج الإهداء: إلى كتّاب الستينات والفرح بالكتابة.


لوحة فنية يرسمها "ولاد الحارة" الذين يُنتَج عنهم الفن دون وعيهم بذلك، وحدهم يعيشون الحياة بكل صخبها وجرأتها وتقلباتها، حياة غير منتهية الصلاحية. قصة تحكي عن 4 شباب يجمعهم الفقر، أحدهم (شوقي شامخ) يعاند الأحداث فيسرق رؤسائه ويهرب من الحارة/فقره. بينما الشاب أحمد (فاروق الفيشاوي)،


يشع شباب وطاقة وحب بينما يخذله الجميع. هو إنعكاس لحياة أصدقاءه وربما حارته سواء بـ"جدعنته" معهم أو في تعلّق فتاتي الفيلم به؛ قريبته سعاد (بثينة رشوان) الجميلة التي تحتمل حياة الحارة لأجله أو نادية (بوسي) التي تعاشر كثيرين لكن تحبه هو دون غيره ويتجاهلها بسب حب صديقه لها في الوقت الذي توافق على الزواج من صديقه لتظل بجانبه.


في مشهدين مختلفين من الفيلم يترك الكاشف الكاميرا على مرآة سعاد ونادية اللذان تفضح عيونهن رغباتهن في حب أحمد والتمرد على اخيتارات الحب الإجباري عليهن وربما على إجبارية ما تعيشه الحارة كلها. كثيرًا ما يعبّر الكاشف عن تمرده من خلال نظرة إحداهن إلى جسدها المحبوس في المرآة.


نهاية مفتوحة لتلك القصة البسيطة تتركنا لسؤال متعدد الأجوبة؛ كان البحث عن أسباب مواصلة هؤلاء الشباب "البنفسج" للحياة برغم كل ما يقاسوه، حوّل الكاشف الأغنية القديمة واختارها اسمًا للعمل ومعبّر بصري عنه؛ "ليه يا بنفسج بتبهج وإنتَ زهر حزين؟" يمكن فهمها بهرب الفتاتين بعيدًا عن أحمد/حياتهم بعد فقدان الأمل وتعبيرًا عن رفض حياتهم ليست عادلة.



فيلم عرق البلح.. الحياة من حقي وحدي

ظل الكاشف يبحث لسنوات في مصر من شرقها لغربها حتى وجد قرية مناسبة لتصوير فيلمه "عرق البلح" -الذي كتبه- في محافظة الوادي الجديد في الصعيد ليعود بكاميرته لجدوده ومسقط رأس عائلته الأصلي ويكتب واحدًا آخر ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية في الوقت الذي قدر له الفشل أوّل عرض له في يونيو 1999 ولم يُكمل أسبوع داخل السينمات.


بدأ كالعادته بإهداء: إلى الجنوبي المطارد بخبيئته.. سلام إليك يوم تموت.. ويوم تبعث حيًا. عن القرية التي "رحل عنها الظل حين سقطت نخلاتها العاليات، وانكشف رعب الشمس". سقط نخيلها برحيل الرجال عن نسائهم إلى الخارج على أمل الثروة تاركين نساءهم تتساءل "وصيت عليا مين وسافرت يا محبوبي وصيت عليا مين؟ خبط الهوا ع الباب قولت الغايب جاني.. أتاريك يا باب كداب تضرب على الفاضي!".


لا شباب في القرية سوى أحمد (محمد نجاتي) بجانبه الجد العجوز (حمدي أحمد). أحمد أمل كل النساء الذين سافر أزواجهن بعيدًا وتركوا رغابتهن حبيسة الجدران، الجميع يراه غنيمة، عوضًا عن الزوج المفقود حتى المحرات عليه. ثمة رسالة واضحة المعاني: الحرمان خطر يستدعِ الجنون.


على الجانب الآخر تقف الجميلة سلمى (شيريهان)، تلفت نظر أحمد ليقع في حبها، وفي الوقت الذي يدعو فيه أهل القرية والدتها للإنتحار بسبب ممارستها الجنس مع رجل غريب والحمل منه، تقف سلمى أمام المرآة، تساءل الجميع في خيالها: من يستطع تحمّل الإحتياج؟ من يمنع الجسد عن ممارسة حقوقه؟


نظرة سلمى للمرآة كانت التحدي الذي تواجه به الجيمع، كلمة الغضب بوجه قتلة والدتها "الزانية". تسأل مرآتها كانت خيانة من الأم أم ضعف؟ كانت النظرة بمثابة تأكيد داخلي أنها على صواب ومن دونها على خطأ. تلك الحرية من حقي وحدي ولذلك يجب أن أصنعها بنفسي وأواجه. في حب أحمد مواجهتها لهمجية القرية.



"الساحر".. تحرر أم خطيئة؟

آخر إهداءاته كانت إلى "سعاد حسني وصلاح جاهين.. وبهجة البسطاء"، وبالتعاون مع صديقه السيوي أيضًا خاض مغامرته السينمائية الساحرة، بطولة محمود عبدالعزيز وسلوى خطاب وجميل راتب ومنّة شلبي يستعرض الفيلسوف قصة حياة الطبقة البسيطة التي كوّنته، في حي مصر القديمة الذي يقدم له إهداء خاص في نهاية الفيلم. ساحر أرمل كفّ عن ممارسة السحر إثر أزمات نفسية خارج إرادته رغم حبه له، يعيش الساحر منصور بهجت مع فتاته المراهقة وحيدين، "بقلب خفيف، يعدّي ع النكد كده خطف".


يحب ويكره إلى أقصى حد، يبصق حياته لأصدقاءه، يشاركهم تفاصيلها، يراهم في أمنياته التي لا ير خلالها مشاكله، "اتمنيت يبقى عندي فلوس كتيرة وأشتري الحصان لعم إبراهيم". مهووس بالخوف على ابنته الصغيرة المراهقة (منّة شلبي) حد حبسها في المنزل.


ثمة حياة حرة يلجمها خوفه على صغيرة، سرديه واضحة تتقاطع معها دخول مرأة أخرى، فتقودنا الأحداث إلى سيدة مطلقة (سلوى خطاب) مزيّنة عرائس، لديها ابن يشكو ضعف نظره، تأتِ لتقيم في سطح المنزل ذاته الذي يقيم فيه الساحر.


في الدقيقة 16 وأثناء ظهور البطلة المراهقة وسبب الخوف الأصيل داخله، تنظر لنفسها/جسدها في المرآة ؛ فتاة تنظر إلى ذاتها كسجينة لا تستطع التصرّف فيه، هي هنا تمثّل الجميع سواء؛ والدها الذي يبحث عن زوجة بديلة طوال الوقت. وخطيبها الذي يختلس نظراته وقبلاته لها حتى يوافق والدها على الزواج، وحفيد رجل الأعمال الذي يحاول قتل روتينه بأي شيء. نظرة احتياج جماعية تحملها عيني مراهقة يقتلها الفقر وقلة الحيلة تخالطها مشاعر جموح وإنطلاق وأمنيات تحرر وحب خارج الأربعة جدران. تحكي لصديقتها الإجبارية غير المناسبة جارتهم الجديدة: "أنا هوايتي أغفّل بابا وأخرج، حتى لو عشان أمشي في الشارع لوحدي"؛ كانت أمنية التحرر هدف في ذاته ليس حبًا في خطيبها أو خيانة مع ابن المليونير، الوحدة كان الكابوس الذي تراه الفتاة في مرآتها.




انتهى مشوار رضوان الكاشف في 5 يونيو حزيران عام 2002 عن عمر يناهز الخمسين، على إثر أزمة قلبية بعد رجوعه من مهرجان روتردام في هولندا،


فطالما ما آمن بما يعمل به رغم قله إنتاجه على مدار 18عامًا، أخرج فيهم سبعة أفلام، ثلاثة تسجيلية هي: "الحياة اليومية لبائع متجول"، و"الورشة"، و"نساء من الزمن الصعب"، إلى جانب ما ذكرناه سابقًان مشوار جعل من السينما مرآة لنا وعلينا، جميلة بما يكفي لجسد إمرأة جميلة، وحالمة كخيال فتاة تنتظر فتى أحلامها داخل عيونها، ومسكينة تحيطها أربعة جدران فقيرة من كل جانب.

 
 
 

Comments


bottom of page