مشاكل إيران لا تنتهي.. عن الحجّتية والانتخابات وأحمدي نجاد
- Hossam Elkholy

- 21 يونيو 2018
- 5 دقيقة قراءة

"ألترا صوت" ثمة فرضية يكتبها خبير الحرب الصيني سون تزو في كتابه فن الحرب تقول "أن الحروب تُحسم قبل أن تبدأ" مُشيرًا إلى أهمية إحترام موازين القوى قبل الدخول في المعارك لا سيما إذا كانت مصيرية وفارقة لاحقًا. على ما يبدو أن مؤشرات فترة حكم الرئيس الإيراني الأسبق "محمود أحمدي نجاد" تشير إلى إنه ليس بالسذاجة التي تجعله يخوض صراعات خاسرة؛ إلا أن سحب أوراق ترشحه مرة أخرى لرئاسة إيران متجاهلًا أمر المرشد الأعلى أيه الله على خامنئي بعدم الترشح، أثار جدل إقليمي وعالمي كثيف حول السباق الرئاسي المزمع إقامته حزيران يونيو القادم. الأمر الذي ألقى الضوء على الصراع المتأجج داخل إيران وخارجها.
نستعرض في هذا التقرير الوضع السياسي الإيراني الحالي والصراعات الخارجية التي تخوضها الدولة، إلى جانب محاولة التعرف على أسباب القرار "الإنتحاري" كما يصفه البعض لأحمدي نجاد وما يمكن أن يخلقه من صراعات داخلية إلى جانب صراعات خارجية لم تنتهي بعد.
على ما يبدو إنه لا يوجد إستقرار واضح داخل الدولة الإيرانية حيث تدور انتخابات رئاسية كل أربع سنوات منذ 1980.
لكن في البداية علينا إدراك أن السلطات الحاكمة في جمهورية إيران الإسلامية سواء السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية؛ جميعها تمارَس تحت إشراف ولاة الأمر وإمامة الأمة وتعمل بشكل مستقل، لكن يتم التنسيق بينها بواسطة رئيس الجمهورية؛ الذي يعتبر "وفق الدستور الإيراني" هو السلطة العليا في البلاد بعد المرشد الأعلى وهو أيضًا المسئول عن تنفيذ الدستور، كما أنه يرأس السلطة التنفيذية إلّا في المجالات التي ترتبط مباشرة بالقائد الأعلى للثورة، بينما يساءل رئيس الجمهورية أمام الشعب والقائد ومجلس الشورى الإسلامي.
ويملك المرشد الأعلى في إيران أقوى نفوذ سياسي على الإطلاق، حيث تشمل صلاحياته "تعيين رؤساء الجهاز القضائي والجيش ووسائل الاعلام الرئيسية" بالإضافة إلى أولوية موافقته على صلاحية رئيس الجمهورية المنتخب لتسلّم مهام عمله.
كما يحدّد ما يسمى بـ"مجلس صيانة الدستور" صلاحية المرشحين في الإنتخابات الرئاسية الذين وصل عددهم هذه المرة ما يقرب من 860 مرشح بحسب آخر إحصاء. بينما ينصّب إهتمام الصحافة والإعلام على الأربعة الأوفر حظًا "إبراهيم رئيسي وأحمدي نجاد وحميد بقائي والرئيس الحالي حسن روحاني".
بالتالي يمكن لمجلس صيانة الدستور أو المرشد الأعلى "خامنئي" الرفض القاطع دون إبداء أسباب واضحة أو أن استخدام مبررات عامة في رفض أهلية عدد من المرشحين وبالتحديد "أحمدي نجاد" كما تم رفض ترشح رئيس الجمهورية الأسبق هاشمي رفسنجاني في الإنتخابات الرئاسية عام 2013 بسبب "تقدّمه في السن" بشكل لا يسمح له بتحمل أعباء إدارة الشئون التنفيذية للدولة، وربما هو نفس السبب الذي يمكن أن يتم رفض نجاد به.
إجمالًا، فإذا كان ذلك يؤكد على صعوبة أو "إستحالة" تحقيق طموحات الرئيس الأسبق في الفوز بفترة رئاسية أخرى رغم أنف خامنئي فإنه يخبرنا بالضرورة أن الثورة الإيرانية ذاتها أصحبت تمثّل تكتّل معقد في وجه الثورية "الفردية" بالتحديد نظرًا للبيروقراطية التي يتم العمل من خلالها. لكننا لا نزال نتساءل عن الدوافع التي جعلت أحمدي نجاد يقدِم على هذا التصرف؟
"ما قمتم به من ترشيح أنفسكم لرئاسة الجمهورية يأتي على الضد من الرؤية الحكيمة لإمام المحرومين والمستضعفين والمجاهدين خامنئي!… أنت اليوم ظلمت الناس بنفس قدر الظلم الذي وجه إليك وأكثر".
مهدي كوجك نائب سابق في مجلس الشورى ومن أشد المدافعين عن نجاد أثناء رئاسته.
خاض "نجاد" إنتخابات 2005 و2009 على التوالي، ونجح في الفوز بهما بدعمٍ كامل من المرشد. ومع إنتهاء دوره كرئيس للجمهورية الإسلامية عام 2013 قرّر عزل نفسه تمامًا عن الساحة الإعلامية بعد ذلك. لذلك يقول مراقبون أن هذا الترشح الذي جاء بعد تركه العزله والتقاعد ربما بهدف إضعاف الكتلة التصويتية المحافظة التي ينتمي إليها نجاد إلى جانب المرشح الآخر الأوفر حظًا الملقب بحجة الإسلام "إبراهيم رئيسي"، نظرًا لتأييد بعض هيئات الدولة والحرس الثوري وقطاع واسع من الجمهور الإيراني بالإضافة إلى تأييد خامنئي نفسه له. بالرغم من زعم البعض إن خامنئي لم يؤيد أي طرف على حساب آخر.
بينما يرى آخرون أن ذلك ربما دعمًا لنائبه السابق "حميد بقائي" وهو ما يعني أنّه يفكر في سرقة أصوات مؤيديه في الريف الإيراني وفي الضاحية الجنوبية الفقيرة من طهران في الإنتخابات، ثم الإعلان عن إنسحابه، بالتالي يضيفها إلى أصوات شقيقه "حميد".
حميد بقائي، المرشح الذي تم اعتقاله في وقتٍ سابق من العام ما يقرب من سبعة أشهر من دون سبب واضح لكن قيل بعد ذلك إنه كان بسبب إتهامه في قضايا فساد، بالرغم من ذلك فهو أحد الأسماء المرشحة بقوة أيضًا، حيث كان النائب السابق "لنجاد"، ويملك نفس خطابه الشعبوي بالإضافة إلى عدد مؤيدين كبير.
أيضًا يوجد حسن روحاني الرئيس الحالي الذي يملك صلاحية الفوز بفترة أخرى لكن إستطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت تراجع مؤيديه بسبب أزمات الاقتصاد الإيراني وإدراته للبعض ملفات الدولة خصوصًا ما يتعلق بالأمن الإيراني.
بينما تصب حالة "الخلاف الحاد" بين نجاد ومؤسسات الدولة على رأسها خامنئي في مصلحة "إبراهيم رئيسي" حيث يعتبر إبراهيم رئيسي مرشح المتشددين في إيران، وله قناعة واضحة بأن من مصلحة إيران الإلتفات إلى قضاياها الداخلية والتواصل مع كل الدول بشرط الإحترام المتبادل (بإستثناء الصهاينة) والتوقف عن استراتيجية تصدير الثورة التي جلبت الكثير من الأعداء لطهران ومستوى العلاقات مع واشنطن.
كما أعلن رئيسي خطأ التدخل في مشاكل الجوار مثل سوريا بسبب الأزمات التي نتجت بعد ذلك من عداء بعض الدول العربية، والجدير بالذكر أن التفاوض حول الملف النووي والعلاقات مع أمريكا بالتحديد كانا لهما الأثر الكبير في فوز روحاني بالرئاسة في العام 2013.
في حين يؤكد باحثين في الشأن الإيراني أن الأمر يرجع إلى إنتماء أحمدي نجاد لجماعة الحجتّية الإيرانية أو "الفرقة الحجتّية" التي نشأت في خمسينيات القرن الماضي، "والتي تشكّل خطرًا على الدولة والثورة بل إن مشروعها الأساسي إشاعة الفساد" كما قال الخميني وحذّر منها مرارًا.
في المقابل تدّعي الجماعة الحجتية إنها كانت السبب الرئيسي في وجود منصب الولي الفقيه في إيران بالتالي فهي لا تعارض وجود الولي الفقيه رغم إعترافهم أن نظرة الولي الفقيه في إيران سواء كان الخميني أو خامنئي هي التي تعيق مجيء المهدي المنتظر، وهو بدوره يعتبر السبب الرئيسي في قيام هذه الفرقة.
الغريب في الأمر إن بعض الإيرانيين يتهموا الإمام خامنئي نفسه بإنتمائه لهذه الجماعة نظرًا لأن العديد ممّن حوله يحسبوا عليها، إلى جانب وجود صلة وثيقة بين والد الإمام خامنئي ومؤسس الفرقة الشيخ محمود حلبي بحسب جريدة الشرق الأوسط.
على ما يبدو أن تلك الأسباب الأكثر منطقية حيث إن نجاد إن كان يملك شعبية كبيرة إلا إنه لا يملك معارضة رغبات المرشد الأعلى وفقًا للدستور لكن يمكننا أن نقول إنها توضح رغبته في إزعاج خامنئي خصوصًا مع تأييد الصحف الغربية والأمريكية له ووصفه بالعمل "الثوري".
وبعيدًا عن كل ذلك إذا أفتى المرشد الأعلى بعد أهلية "أحمدي نجاد وبقائي" معًا فلن يعود أمامهم مؤيديهم إلّا إختيار أحد المرشحين الآخرين أو مقاطعة الإنتخابات من الأساس، الأمر الذي ربما سيستغلّه الغرب وأمريكا بالحكم بسلطوية الحكم داخل إيران.
تأتي النتائج الرسمية التي تجيب عن كل الإحتمالات الشهر القادم، بعد الخطوة الإيجابية بالتوقيع على الإتفاق النووي في يوليو تموز 2015 والمزيد من التمدد الإقليمي عن طريق الدخول إلى الساحة السورية بالتعاون مع روسيا الذي أنتج عداء شديد من دول الجوار العربي.
وتأتي أيضًا مع إعلان الإتحاد الأوروبي قبل شهور قرار تمديد العقوبات المفروضة ضد إيران لمدة عام أخر، بسبب ما وصفه الاتحاد "بالإنتهاكات الصارخة" لحقوق الإنسان التي تقوم بها دولة إيران، كل ذلك بالإضافة إلى العداء الواضح الذي تحمله أجندة الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة عن طريق دونالد ترامب، لذلك فالكثير من الصراعات الداخلية لن تثمر إلّا المزيد من الخسائر التي تضع إيران في ظروف طارئة داخليًا وخارجيًا على حدٍ سواء.






تعليقات