top of page

aboutMe

Egyptian writer and photographer, graduated from the Faculty of Media and Communication Arts, Radio and Television Department, interested in writing in philosophy, literature and film criticism.

"نولان" و"شكسبير".. عن الماضي الذي يصنعنا

  • صورة الكاتب: Hossam Elkholy
    Hossam Elkholy
  • 2 أكتوبر 2020
  • 4 دقائق قراءة




من خلال آخر آفلامه الذي تعرضه سينمات العالم الآن يُعيد المخرج والكاتب كريستوفر نولان البشر من كل مكان إلى صالات السينما مرة أخرى بعد التوقف لشهور بسبب جائحة كورونا، عن طريق فيلم "tenet" و"البطل" الذي يسعى كأبطال سابقين لنولان إلى إنقاذ البشرية، هذه المرة من حرب عالمية ثالثة ستؤدي لهلاك البشرية، عن طريق التحايل على الزمن ماضي العالم ومستقبله وتداخلاتهم مرهقة الفهم والاستيعاب.


ثمة تصور يحضر في حوارتنا وأفكارنا الشخصية الآن على ما يبدو أكثر من أي وقتٍ مضى عن مدى جدوى المستقبل باعتباره طوق النجاة الوحيد من شرور الحاضر وخطر حضور الماضي. كثيرون يتطلعون إلى المستقبل يفكروا من خلاله في ما يمكن أن يكون مصدر أمان عن ما نعيشه اليوم، بينما يرى آخرون نجاتنا الوحيدة في الماضي. وهو ما يشكّل هوس نولان الأبدي: فهم الماضي يعجّل بانتصار البطل ومركزية الزمن باختلاف القصة السينمائية عمومًا تطغى على أي عنصر فني آخر، وربما لذلك من ضمن ما يمكن أن يفهمه جمهور نولان المعتاد عن طريقته ألّا يعوّل كثيرًا على المنطق والواقع والحبكة ربما لأنه يعتقد بتجاوزهم إلى فكرته الأثيرة التي تعنيه فقط عن غيرها.


وربما لم يسلم أي إنسان عمومًا ليس فنان أو شخصية عامة فحسب، من سخرية البعض على مواقع التواصل الإجتماعي، فلو كنت من المتابعين ربما سيتكثف لديك مشروع نولان السينمائي الذي شارك في بعض منه أخيه جونثان نولان، على اعتباره تمشيه في الزمن فقط، دون جدوى، وعلى قدر من الافتعال والتحذلق، تلك فكرة مبتسرة عن سعيه مرة تلو الأخرى حول مركزية الماضي في حياتنا ليس الزمن في ذاته، الماضي الذي لا ينتهي بانتهائه.

"بتمشّى في الزمن"

إذا صدّقنا المخرج والكاتب أورسون ويلز في قوله أن الكاتب الكلاسيكي ويليام شكسبير "رجل كتب كل شيء من العقل إلى البطن، وكتب كل مزاج في حياة أي إنسان" على اعتبارها شهادة خرجت من أعظم صنّاع السينما على مدار التاريخ بشهادة السينمائيين ليس كرأي شخصي، يمكن أن نذكر تلك الشهادة كاستهلال ومقدمة بجانب الحديث عن مخرجنا؛ شكسبير كواحد من أعظم كتّاب التاريخ يمكن تلمّس تناوله للزمن مجازًا خلال كتاباته الأدبية والمسرحية المتعددة؛ "هاملت" أصغر شخصياته التراجيدية و"لير" أكبرها؛ كلاهما كانا الأشهر والأقرب للجمهور، وكلاهما نتتبع أفعالهما من وحي سيطرة أفعال ماضوية على أبطاله بأثر رجعي وفي قلبها الزمن كمحرك لأعمار الأبطال ومَن حولهم. بطله الآخر "ماكبث" قال أن المستقبل في اللحظة الراهنة وأنه علينا النظر جيدًا إلى ماضينا. "هاملت" يخبره صديقه مرة بحزن أنه "لن يبقى له من الحياة إلا نصف ساعة" فيجلس البطل ليتأمل ماضيه جيدًا. أثناء القراءة عن الملك جون نرى ملك متوّج لكنه ابن زنا، هذا ماضيه الذي لا يمكن الفرار منه، وهو "ماضي" يحرمه العرش، بالتالي يشكّل شخصيته الساخرة الأنانية، السيد "أركايدن" الذي لديه شبهة محارم بالنوم مع ابنته كذلك يؤثر هذا "الماضي" في قراراته المستقبلية. وفي رواية "كما تهوى" عندما سئل أحد أبطاله كم الساعة قال وبدافع الملل: لا وجود لساعة في الغابة. ينتهي الإحساس بالزمن تمامًا ولا يبقى سوى الحاضر يتأمل ماضي الشخصية ونجاتها الحقيقية ليس المستقبل.


إلى جانب شكسبير لدينا المسرحي يوهان جوته وبطله الأشهر "فاوست"، في أثناء سؤال إمراة عن مقصده عن نوع الشخصية التي يقصدها؟ وكم عمرها؟ قال فاوست: كل الأنواع وكل الأعمار وكل العصور. هذا كان حُلمه بتجاوز الزمن وهو "فاوست" ذاته الذي يسأل الشيطان خلال الرواية أن يُطيل شبابه.


النضج المبكر هو رفض علني للطفولة كمجاز وحقيقة أي للماضي وهو ما يريده نولان وغيره، يكتبه ويقدمه على ألسنة أبطاله باختلاف سياقات ومآزق وتكوينات هؤلاء الأبطال، الماضي يعطي الإنسان ما عليه الآن، وصناعة واقع جيد يأتي من فهم وافي لهذا الماضي الأبدي. وأي محاولة لتجاوز الزمن دون وعي بماضي يمكن وصفها تمامًا كوصف شكسبير للأمر على أن "المرء بذلك يغتصب حياته".

"الزمن لحظة والمكان بعيد"

في أول أفلامه كمخرج نشاهد بطله الكاتب الذي يبحث في كل مكان عن قصة يكتبها مما يتسبب بدخوله في عالم لم يعرف عنه شيئًا بتأثير من "ماضيه" الخاوي على أمل صناعة مستقبل/ ماضي مليئ بالحكايات، في فيلمه الطويل الأول "momento" نشاهد رجل مصاب بفقدان جزئي للذاكرة، يحاول الانتقام لزوجته، نرى أفعال ماضيه تحكم مستقبله دون وعي كامل منه في كل مرة، ونرى أن قدر نجاح هدفه يتوقف على التوفيق بين واقعه وماضيه. باستثناء أفلام "Batman" وسحرة "the prestige" التي يستخدم خلالها أبطاله الخارقين بالضرورة والمتجاوزين للزمن أساسًا، قدم في 2010 ربما أشهر أفلامه بعد اختمار فكرته الأثيرة عن أهمية الزمن أو الماضي لو شئنا الدقة "inception" الذي يحاول خلاله البطل من خلال تقتبة ما زراعة فكرة معينة عن طريق الدخول إلى ماضيه/ أحلامه. بعدها بأربع سنوات فقط قدم "interstellar" الذي يسافر أبطاله في الزمن ليضمنوا ماضي البشرية كلها بينما يذهب ماضيهم الشخصي باختلاف الزمن ويرى البطل ابنه الرضيع ربما في مثل سنّه ويبدو الحزن الشديد على ضياع هذا الماضي الشخصي. بعدها اقتنص نولان لحظة من الزمن قدم خلالها معركة "Dunkirk" التي صورها على اعتبارها مشهد واحد/ لحظة واحدة من الماضي مؤثرة على العقول إلى الآن، كتأثير ماضي أبطال فيلمه "insomnia" ووصل بنا إلى قصة بطل فيلمه الحالي الذي يسير في خطوط متوازية في الزمن داخل معركة لا يمكن الانتصار فيها دون فهم ماضي الخصم ما يعني الانتصار عليه كوسيلة وحيدة يمكن النجاة من خلالها.


اللعب بالزمن لا يفكر فيه نولان مثلما فعل مارتن سكورسيزي مثلًا في فيلم "الأيرلندي" وقصته الأخيرة عن العجوز الذي يجلس على كرسيه ليحكي عن زمن مضى، بتقنية تعديل السن رقميًا يمكّن بطله من تغيير السن والشكل له ولمن حوله، في سياق أكبر منهم لخدمة القصة ذاتها، لكن الأمر على ما يبدو يصبح معكوسًا لدى نولان، الجميع يخدم الزمن، بتجاوز خيالي يستنتج من خلاله تصرفاتنا البشرية المبنية عليه دون تجاهله.


يتحسر الأبطال على الزمن المفقود دون جدوى أو يدركوا مدى أهميته على قراراتهم ومعاركهم مع الحياة، إدارك الماضي لدى نولان شرط النضوج، ثمة أشياء حدثت ولا يمكن الفرار منها دون مسئولية. وثمة أشياء أخرى غير ضروري فهمها في ذاتها بينما ضروري الرجوع لماضيها لاستيعابها والنجاة منها.

ماضي أبطاله ربما يشبه بعض الشيء ماضي أبطال شكسبير ككلاسيكي عالمي يمكن المقاربة من خلاله ليس المقارنة معه، كلاهما يمركزا مستقبل أبطالهما على الماضي باختلاف وسيلة عرض الأفكار المكتوبة والمرئية، ينتج عن نولان صورة فخمة متباهية يصنعها مستغلًا ما يًتاح له لعرضها، أعمى لا يرى أمامه سوى الزمن الذي يلعب بالجميع، ربما يبرر ذلك في ذهنه وجود حبكة يبدو باهتة وتصرفات تبدو أولية غير مبررة ومؤثرات تفسّر باعتبارها استعراض و"روشنة"، لينتصر للزمن ومن خلاله فقط ، بطل "tenet" يسعى لإنقاذ البشرية من حرب عالمية بمعرفة "ماضي" خصمه للانتصار، تمامًا كأبطاله السابقين، كاختصار مُخل يدعوك لمشاهدة التجربة بنفسك دون حرق مشهد واحد من الفيلم المرهق كثير التفاصيل الذي ظهرت معه بشكل فجائي غير مفهوم اتهامات ساذجة طفولية بالاستعراض والتعقيد باعتبارها أشياء جديدة في حين أنها تخرج من رجل يصنعها من لحظة معرفتنا ومعرفة السينما به، سيظل نولان في رحلة البحث عن الزمن المفقود.


نُشر في موقع "ذات مصر"

 
 
 

Comments


bottom of page