هنا والآن.. صداقة إليكترونية عابرة للحدود
- Hossam Elkholy

- 21 يونيو 2018
- 4 دقيقة قراءة

"ألترا صوت" أصدرت دار الكتب خان المصرية للنشر ترجمة عربية لبعض رسائل البريد الإلكتروني التي كتبها الصديقين؛ الروائي الأمريكي بول أوستر والروائي الجنوب أفريقي وجيه إم كوتزي الذي حصل على نوبل في الأدب ثم نُشرت في كتاب واحد بعد جمعها، وقام المترجم والشاعر المصري أحمد شافعي بترجمتها.
وعلى ما يبدو إنه من الغريب القراءة في كتاب يحمل رسائل أصدقاء حول كل ما يشغلهم من أفكار وتعليقات وهوايات جانبية، وربما لهذا السبب أيضًا حاولنا الكتابة عنه؛ باعتباره فسحة خفيفة وحميمية تشعر خلالها بأنك صديقهم، في هذه الجلسة القصيرة المستقطعة بعد يوم عمل شاق، والتي استمرت على مدى سنوات دون كلل أو إنقطاع.
بشكل أو بآخر يمكننا تصديق الفرضية التي تقول أن كل شيء قد حدث من قبل وإنه لا جديد تحت الشمس لا سيما الكتابة في الشعر والأدب لكن في الوقت ذاته "هناك شيئًا واحدًا يمكننا أن تقوله في حق كتاب جيد وهو أنه لم يكتب من قبل"، وذلك بالرغم من أن كل كاتب حكم قاسِ على نفسه ولعل ذلك يجعلهم يكتبوا أكثر لعلهم يكتبوا أفضل في المرة القادمة؛ لكن باستثاء الكتاب وما يمثّله من أهمية ليس في أنه لم يكتب من قبل ولكن ربما في كتابته المرتبطة كثيرًا بالبساطة والحميمية التي تظهر كثيرًا في عرض الأفكار وسردها، كما لفت نظري العنوان الذي يحمله الكتاب قبل أي شيء "هنا والآن"؛ كأن المترجم يريد استحضار المكان والزمان في كل رسالة يكتبها أحدهما لآخر، فبالرغم من كون الرسائل على فترات متباعدة إلا أنهم حاضرين ذهنيًا ربما طوال الوقت؛ الحديث يسرقهم من الزمكان إلى أي كل ما يشعر به أحدهم فينقله للآخر دون تفكير.
أنا بدون أصدقاء.. عدم
يطرح الكتاب قبل أي شيء الحديث عن الصداقة ربما ليس بشكل واضح ولكن خلال رسائل يتبادلها كهلين يفصلهما عدد من الدول، ربما يكون للمرء أصدقاء لا يرغب في رؤيتهم لكن هنا، وفي هذه الحالة بالتحديد فالبعد اختياري وإجباري في آن؛ فطبيعة عمل وحياة كلاهما تفضّل عدم التجوال كثيرًا ربما شأن معظم الكتّاب والشعراء إلى جانب إنهم مجبرين في الأساس ببعد المسافة، يقول أحدهم للآخر بوضوح "أفكر منذ فترة في الصداقات، كيف تنشأ؟ وكيف تدوم؟ أو يدوم بعضها، لفترات طوال تتجاوز حتى علاقات الإرتباط الغرامي التي أحيانًا ما نفترض مخطئين أن الصداقة جزء باهت منها، لقد كنت أوشك أن أكتب رسالة عن كل هذا، تبدأ بملاحظة إنه من المدهش أن كل ما كتب عن الصداقة قليل، في ضوء أهيمتها في الحياة الإجتماعية ومدى ما تعنيه لنا ولا سيمّا الطفولة إذ تبقى الصداقة لغز كبير"؛ بالتأكيد كانت تشغله صداقتهم تحديدًا التي علينا أيضًا تحديد سواء هويتها التي تظهر مع أحد الرسائل؛""لأسباب لا أعرفها وربما لأنك بعيد للغاية ولأن لقاءاتنا متباعدة غالبًا ما أجد نفسي راغبًا في إعطاءك شيئًا" أو فضلها عليهم لو جاز التعبير،وعلى كتاباتهم التي ستشهد عليهما لأنه "لا الرخام ولا ذهب تمائيل الأمراء، سيحيا أكثر مما تحيا القوافي والكلمات" مثلما كتب وليام شكسبير.
في أحد الرسائل يقول كوتزي لصديقه إنه "ليس لأحد من أفريقيا أن يكون مثقفا بلغته الأم أو أن يكون كاتبًا"؛ كان يشير إلى "الفقر المخزي" الذي تعاني منه الكتابات العربية والثقافية إذا ما قارناها بالغرب وأمريكا، بينما يعترف بذلك واحدًا ممن خرجوا من هذه الثقافة ليروا ضعفها.
ينتقل من فكرة الثقافة إلى فكرة أخرى -وهو ما يحدث على مدار صفحات الكتاب- للحديث عن الرياضة وممارستها؛ ففي الرياضة مثلًا تشعر وكأنك "تمنح نفسك للعبة التي تلعبها فقط والنفع الذي يجنيه الجسم والعقل من جرّاء التركيز المطلق في لحظة معينة، وإحساسك بأنك خارج نفسك وتخففك مؤقتًا من عبيء وعيك بذاتك، الفوز والخسارة لازمان لكنهما عاملان ثانويان ما هما غير مبرر لكي يبذل المرء أقصى جهده في إجادة اللعب لأنه بغير بذل أقصى جهدلا يمكن نيل اللذة الحقيقية"، ليعبّر عن فكرة جوهرية في علاقتنا بالرياضة؛ في الرياضة والمنافسة كثيرًا ما نعود للمنزل خاسرين، لكن لأن فكرتها ليست في الفوز والخسارة بخلاف الحياة العادية ولكن في تجاوز كل ذلك، تعني لنا الرياضة شيئًا كبيرًا سواء وعينا بذلك أو لم نعِ.
إذا كان التأويل لا يصل إلى كل شيء "وأنه عاجلًا أو آجلًا سوف تنتهي إلى سؤال لا جواب له ولو كنت مجبر على الإجابة فستكون اعتباطية أي شخصية، أو هي نتاج لماهيتك أنت وكينونتك، وانعكاس لمعتقداتك الخاصة عن الكيفية التي يجب أن يدار بها العالم" كما يقول أحدهما للآخر على خلفية الحديث عن القضية الفلسطينية، وإنه "هناك شيء اسمه الهزيمة والفلسطينيون مهزومون وبرغم مرارة هذا المصير فعليهم أن يتذوقوه ويسمّوه باسمه الحقيقي، ويبتلعوه ابتلاعًا، ويتقبلوه تقبل بناءً وليس بطريقة هدّامة أي يجب ألّا يواصلوا تغذية أحلام الانتقام بغدٍ تحدث فيه معجزة لكن عليهم تقبل الأمر والنظر لألمانيا 1945 كمثال"؛ فربما نفهم من كل ذلك حكم رجل كهل يصدر أحكامه "الشخصية" على قضية لم يرى منها أو من واقعها شيء، ربما عليه أن يعي قبل كل شيء إنه ضرب مثالًا غير منطقي ولا يناسب قضية كفلسطين؛ أي قضية أناس أُغتصبت أرضهم على مسمع ومرأى من العالم بينما لم يقوموا بأي اعتداء على هؤلاء المحتلين، بالتالي ليست ألمانيا التي كانت تسعى وتحارب قبل هزيمتها؛ الإعتراف بالهزيمة في حالة ألمانيا دعوة للبناء "والحياة" مرة أخرى بينما لفلسطين يعني الموت وضياع حق من ماتوا.
"الحقيقة أن التذمّر قد يكون ظريفًا وبوصفنا رجلين محترمين يشيخان بسرعة ومراقبين معتقين للكوميديا الإنسانية، وبرأسين شائبين رأيا كل شيء ولا يندهشان من شيء، أعتقد أن من واجبنا أن نتذمّر ونقرع، ونهاجم النفاق والظلم والغباء في العالم الذي نعيش فيه، وليقلب الشباب أعينهم كيف يشاؤون ونحن نتكلم، وليتجاهل غير الشباب تمامًا ما نقول، علينا أن نستمر ونحن نتكلم، وليتجاهل الشباب تمامًا ما نقول، علينا أن نستمر ونحن نتحرى أقصى درجات الحذر، نتبين متذمّرين يصيحان في البرية، لأننا نعلم علم اليقين أننا نخوض معركة خاسرة، لكن ذلك لا يعني أن نتخلى عن القتال"؛ على هامش كل تلك الأفكار يكتب أوستر في آخر الصفحات تلك الحقيقة الواضحة التي ربما حملها الكتاب باعتبار كل ذلك السرد مبني بشكل أساسي على خبرات حياتية "تجمّل" مواقف ومشاهد بعينها وتجعلها أكثر حميمية، ولا تحتاج إلى للحديث عن قضايا كان من الأفضل معايشتها أولًا (كفلسطين)، لكن كما يقول أحدهم " الدنيا لا تتوقف عن المفاجأة ونحن لا نتوقف عن التعلم"؛ كتاب يأخذنا لرحلة في رأس شيخين بكل ما تحمله من خبرة وانطباع يمكن أن يتعلم منه الشباب أو يسخروا منه!






تعليقات