top of page

aboutMe

Egyptian writer and photographer, graduated from the Faculty of Media and Communication Arts, Radio and Television Department, interested in writing in philosophy, literature and film criticism.

يحى حقي "أونلاين".. الشعراء والكتّاب على مواقع التواصل

  • صورة الكاتب: Hossam Elkholy
    Hossam Elkholy
  • 31 أغسطس 2018
  • 9 دقائق قراءة




"رصيف 22" لماذا نفكر فجأة في غلق "الفيسبوك"؟ ما الذي يدعونا لحذف "تويتر" من هاتفنا لفترةٍ ما؟ ربما إلى جانب أنه توفيرًا للوقت ومحاولة للتركيز في عملنا، فهناك أيضًا شعور واعِ -أو غير واعِ- بعدم الجدوى وصعوبة الانتماء لتلك المواقع، مما يجعل في تجاهلها شعورًا بالراحة والسيطرة على مجريات الأمور.


في كتابها "أساتذة اليأس.. النزعة العدمية في الأدب الأوروبي" تقول نانسي هانسن أنه مع تطور الفكر الأوروبي، كان الطوباويون يرون أنه إذا قيّض للمرء أن يكون مثقفًا فإن عليه أن يسخّر ذلك في خدمة الثورة في حين رأى العدميون أنه إذا كانت كل أفعال الإنسان عبثية ومحكومة بالفشل فإنه من الأفضل له الانتحار على الفور وإلّا فالحل هو اللجوء "للكتابة"؛ إذ كانت الكتابة وحدها بديلًا للموت.


لكن هذا الانتماء الذي نستشعره عندما نكتب -بحسب العدميون- مع سيولته الكبيرة تحوّل إلى شيءٍ آخر؛ ففي روسيا في القرن التاسع عشر مثلًا لم تكن العدمية تشير إلى هؤلاء الذين ما عادوا يكترثون لشيء بل إلى الراديكاليين الذين كانت عقيدتهم تتمثل في سؤال "ما العمل؟".


كان رأيهم من تلك السيولة عدم جدواها أيضًا، وهو ما يتشابه مع ما تفعله مواقع التواصل الإجتماعي الآن، بما تحويه من سيولة كتابية ربما هي التي تؤدي لانهيار المعنى حسب عدد من الكتّاب والشعراء استطلعنا آراءهم. أو بتعبير لوغستروب فإنه عبر مواقع التواصل "ينحصر الإتصال في محاولة الإرضاء والثناء المتبادل". إذًا، نحن ننتمي إلى التحدث في ذاته لا إلى ما يجري الحديث عنه.


إذًا، لو كانت مشاعية وعدم جدوى الكتابة خلال تلك المواقع سببًا يدعوا الكتّاب والشعراء الحاليين (أكثر الناس أحقية باستخدامها) لغلقها أو استخدامها بشراهة، فإن ذلك قد يدعونا للتفكير أيضًا في ما كان سيفلعه كتّاب وشعراء سابقين عاشوا قبل اختراع تلك الوسائل. في هذا التقرير نطرح هذا السؤال على كتّاب وشعراء عاصروا تلك المواقع كما نحاول تخمين قصة متخَيلَة عن الكتاب والشعراء الراحلين من خلال البحث في طبيعة حياتهم وكتاباتهم، كيف كانوا سيتعاملوا مع هذه المواقع؟



كتّاب وشعراء معاصرين

تقول الشاعرة ديمة محمود لرصيف 22 أنها لا تروقها فكرة التجمعات والكيانات الكبيرة التي وإن بدأت في نور ستدلف إلى عتمة المكان والزمان والحواس والذاكرة وحتى الصيرورة، حيث تخيفها فكرة الاستدعاء والتداعي والتكتلات والألوان الواحدة وإغراءات الشهرة وغوايات المصالح وكل ما يرتبط ويتناسل ويتقاطع مع هذه (القيم).


إلى أنها حاليًا يقتصر استخدامها لوسائل التواصل الاجتماعية على الفيسبوك فقط، ليس تفضيلًا له لكن كنوع من التحديد والحصر والاكتفاء. ومع ذلك تجرّب الانقطاع عمدًا عنه لفترات ترواحت من شهر إلى ثلاثة أشهر، مما يشعرها بفرق كبير في صفائها الذهني ويؤمّن هدنةً ووقت أوفر للقراءة والكتابة.

وتوضّح محمود أننا نحتاج جميعًا للعزلة وسماع صوت الذات والنأي عن آلة المؤثرات الجمعية الملحّة والتي تحفر بلا هوادة ودون اختيار.


أمّا بخصوص الحديث عن النص الشعري ذاته فإنها تعتقد أن وسائل التواصل ذات جانبين متناقضين متلازمين؛ جانب إيجابي يرتبط بإتاحة الفرصة للجميع للكتابة والنشر، مما أظهر مواهب كثيرة، وعرّف بقدرات مخبوءة من جهة وأصوات من دول أخرى لم يكن لها أن تظهر لولا الفيسبوك وغيره من وسائل التواصل. وإذا كان ذلك قد أفرز ظاهرة الكتابة العشوائية والتافهة والسطحية وإدراجها تحت مسميات الشعر رغم أنها لا تعدو أن تكون خواطر. في هذا شيء من الصحة فكما تعرفنا صفحات التواصل بأصوات مبدعة وقديرة وتفجر مواهب الكثيرين علينا ألا ننفي أنها أيضا تصنع نجوماً من هلام وتساهم فئة من النقاد والشعراء والصحفيين في الترويج لهم من خلال المقالات أو النشر في المواقع والصحف والمدونات.

تقول "أنا أرى أن من حق الجميع التعبير بفعل الكتابة ولن تخلد إلا الكتابة الحقيقية والنصوص الشعرية الجيدة وسينظف الشعر نفسه بنفسه مع الوقت، فذلك من مصلحة الشعر".



بينما الروائي والكاتب نائل الطوخي يرى أن البعض يقارن بين الفنون وبعضها على أساس قصر أو طول ذاكرتها، فيقال إن السينما ذاكرتها أطول من التليفزيون مثلًا، لذلك يعتقد أن أقصر الفنون الكتابية ذاكرة هي كتابة "منشور الفيسبوك"، حتى بالمقارنة بالمقال الصحفي، ولو كانت أهم المنشورات وأجملها.

كما يوضّح أن الكاتب يتعلم شيئًا عن العالم من خلال تلك المواقع خصوصًا لو كان يعرف أكثر من لغة ولديه أصدقاء يتكلمون بأكثر من لغة. هنا فعلًا ينفتح العالم؛ إذ تقدّم وسائل التواصل الاجتماعي هنا ما يزيد عما تقدمه مواقع الإنترنت الإخبارية والأدبية، تقدم شيئًا عن تفاهة البشر، عن أسئلتهم الحائرة المؤقتة التي لا تدوم طويلًا، عن الخواطر العابرة التي تُنسى سريعًا، بكلمات أوضح: عن البشر العاديين الذين لم يهتم أحد بتسجيل وقائعهم وهواجسهم، وهو ما استفاد منه الكاتب نفسه خلال رواياته.


يختم حديثه لرصيف 22 قائلًا: لو كان هناك وسائل تواصل اجتماعي في العصور القديمة، كنا لنجد مدخلًا إلى أشكال الحياة هناك. فقط أتمنى لو كانت ذاكرة الفيسبوك أطول قليلا، لو حُفظ كل ما نكتبه في مكان ما وأمكن للباحثين والأدباء الرجوع إليه بعد 500 عام مثلًا.


ثمة حد فاصل نريد تخطيه بمحاولة تخمين كيف كان سيتعامل كتّاب وشعراء قدامى مع مواقع التوصل.



يحي حقي.. أونلاين دائمًا

في كتاب ميريام كوك "يحي حقي.. تشريح مفكر مصري" الذي ترجمه الناقد خيري دومة تقول الباحثة أنه قد يتم استخدام رواية الكاتب "قنديل أم هاشم" كسيرة ذاتية له إلى جانب "خليها على الله" الذي أعلن حقي بوضوح أنه سيرة ذاتية. كما أنكر رشاد رشدي عليها أن تصنف كتابات حقي كقصة. ربما كان حقي يريد من خلالهم الحديث عن هواجسه ومشكلاته الشخصية أكثر من اعتباره قاص.


استخدم حقي كتاباته باعتبارها أسئلة غير منتهية حول مشكلاته الشخصية مع العالم وكيفية سريانه، وهو ما كان سيتناسب مع طبيعة التعامل مع الفيسبوك أو تويتر، أي طرح خواطرنا وكتاباتها سريعًا خصوصًا في حالة حقي الذي امتدحت بساطة كتاباته كثيرًا.


ولد حقي عام 1905 في قلب القاهرة الشعبية رغم أصله التركي، كان والده قد تعلم في الأزهر، ويعمل موظف في وزارة الأوقاف، كما كانت والدته أيضًا تعرف الكتابة والقراءة وهو ما كان نادرًا وقتها. تعلّق الفتى بإخوته الأربعة الذين حصلوا على تعليمهم الإبتدائي والإعدادي معًا.


كان أخيه الكبير إبراهيم حقي يساعد في تحرير جريدة السفور. وهو الذي قدم يحي إلى أعضاء المدرسة الحديثة بعدما التحق بالمدرسة الثانوية ثم بمدرسة الحقوق السلطانية مع صديقه توفيق الحكيم، وجعله يكتب في مجلتهم "الفجر" التي حملت أولى كتابات رائد القصة القصيرة بعد ذلك.


في أثناء إقامته في تركيا كتب حقي ما يسميه "صعيدياته" أي قصصه الخمس التي كتبها عن فترة إقامته في الصعيد؛ "إزازة ريحة" و"أبو فودة" و"حصير الجامع" و"دماء وطين" و"البوسطجي"، كما كتب كثيرًا حول فترة إقامته في بلاد أجداده تركيا. في الغالب لم يترك موقف عايشه خلال تنقله لم ينقله حقي في كتاباته سواء بشكل مباشرة أو بترميز أدبي ما.


تحكي ابنته نهى حقي قصة زواجه بوالدتها؛ كان أحد الأصدقاء قد نصحه بأن يذهب للقطار ليرى واحدة من أختين كانتا تسافرن يوميًا في قطار المعادي فربما تعجبه، أعجب بإحديهما وتزوجها لكنها سرعان ما ماتت بعد شهور من إنجابها. كان صاحب هذا الزواج "التقليدي" نوعًا ما هو نفسه الذي تزوج من الفرنسية جيني جيهو الرسامة البريطانية المستقلة.


نشأته في أسرة على قدر كبير من العلم أكسبه حكايات وأسئلة شخصية كان يحاول الإجابة عنها خلال قصصه ورواياته، إلى جانب تنقُل حقي بين العديد من الوظائف والأماكن في مصر الذي ربما كثّف من أسئلته وجعله أكثر تعجّل في الحصول على أجوبة. أي طرحها بأبسط صورة.


نشر حقي "صح النوم" على نفقته الخاصة، ولم تلق نجاحًا جماهيريًا ولا احتفاء نقدي كبير. إذ بيع منها 125 نسخة فقط من إجمالي 5000. لكنه ذلك لم يرجعه عن الكتابة.


أثناء عمل حقي مديرًا لمصلحة الفنون حاول استعادة التراث الشعبي والفلكلور، فساهم في تأسيس فرقة رضا للرقص الشعبي. كما ساهم في تأسيس مسارح ودور سينما لعرض الأفلام المصرية والمستوردة وشجع على تكوين أوركسترا القاهرة السيمفوني ومجموعات الأوبرا.


حاول مرارًا أن يكون شخص نباتي لا يأكل اللحوم ولا يشجع على تناولها، معتقدًا أنه بذلك قد يصبح ذلك الصوفي الذي تمنّاه. لكن لم ير جدوى من ذلك. يقول: نحن نمشي في طريق ضيق بين هاويتين فرغم أننا نبدو وكأننا نحيا آمنين، فإن هذه الحيلة تتم بصحبة الفزع من السكون، وهو فزع ساكت، سرّي". فالإنسان المكبّل بالعالم هو نفسه الذي يمتلك حرية التصرف كيفما شاء.


كان حقي يرى أن الصداقة "علاقة زائلة بين فردين، وموضوع لتقلبات الحظ". فكثيرا ما وقع الأديب في مشكلات بسبب أصدقاءه، رفض الدين كوسيلة لإثبات هويته، واستهجن الوعظ المباشر. كما رفع من شأن المرأة. واعتبر الفقراء ضحايا المجتمع بعكس العديد من كتّاب عصره.


عاش يحي حقي خلال مشواره حيوات كثيرة حكى عنها كلها خلال كتاباته، ربما لو تواجد حقي بيننا على مواقع التواصل لم يكن ليتركها قبل أن يحك عن مغامراته وتفاصيلها، يخوض نقاشات عديدة مع الجميع حول أفكاره وأزماته متجنبًا الدخول في صراعات مع الآخرين بسبب تلك الآراء.



نجيب سرور.. شرطة تويتر

قصتي من بدئها مكتوبة بالسخرية كنت أمضي ورفاقى فى البكور قبلما ينقض عصفور نعاسه حسرتى.. كانتا بلون الميتين كالدمة نصطف فى أنواء طوبة كالكلاب الضُمر نستجدي الكنّاسة بعض سردين بعلية وثمالات من اللحم بعظمة وحبيبات من صنوف الطيبات.

في الفترة التي سبقت ولادة الشاعر محمد نجيب سرور المعروف بنجيب سرور أي قبل ثورة 1952 كانت القرى المصرية تعيش أحلك أوقاتها من سيطرة الأعيان وأغنياء الفلاحين على الفلاحين المعدمين وتسخيرهم. فلم ينس مثلًا نجيب سرور ما فعله عمدة قريتهم أو "الإله" كما وصفه في والده عندما طلبه في الدوار وضربه بالحذاء أمام الجميع. "وذاك المساء أتانا الخفير ونادى أبي. بأمر الإله ولبّى أبي. وأبهجنى أن يقال الإله. تنازل حتى ليدعو أبى. رأيت الإله يقوم فيخلع ذاك الحذاء. وينهال كالسيل فوق أبى. أهذا أبى؟ وكم كنت أختال بين الصغار. بأن أبى فارع "كالملك". أيغدو لعينى بهذا القِصَر؟ وكان أبى صامتًا فى ذهول. يعلّق عينيه فى الزاوية. وجدى الضرير، قعيد الحصير. تحسسنى وتولّى الجواب: بنى. كذا يفعل الأغنياء بكل القوى! كرهت الإله. وأصبح كل إله لديّ بغيضُ البصر. تعلّمت من يومها ثورتي".


ولد سرور في 1932 بالدقهلية في "قرية أخطاب" لأسرة فقيرة من عشرة أخوه ووالدين، فكان وقع هذا الفقر على نفسه قد خلق في داخله غضبًا ربما من كل شيء حوله عبر عنه كله في أشعاره ومسرحياته بعد ذلك.


في كتاب حازم خيرى "دون كيخوته المصري.. دراسة علمية وثائقية لحياة وفكر نجيب سرور" يقول أن نجيب شارك في كل التظاهرات التي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية، درس في المعهد العالي للفنون المسرحية. وسافر في بعثة لدراسة الإخراج المسرحي في الإتحاد السوفييتي. تعلّم الشعر عن "بايرون" و"أبو العلاء المعري" وقرأ حول الشعر الشعبي وشعر العرب واستمد مسرحياته من هذا التراث، فجاءت أولى كتاباته متأثره بسقوط الكثير من الضحايا المصريين من الطلبة والعمال أثناء الاحتجاجات الشعبية المناهضة للإحتلال البريطاني. كما بدأ حياته الأدبية أيضًا بمعركة خاضها مع الناقد محمود أمين العالم

كان سفره للإتحاد السوفييتي أثر كبير على فكره خصوصًا على توزيع الثروة على الفلاحين، فسخّر مسرحياته لتوعية الشعب الفقير. كان شديد الصرامة في تعامله مع الآخرين. حاد الطبع.


يمكن وصف حياة نجيب سرور باعتبارها تمرد مستمر على كل شيء؛ ترك الحقوق قبل أن ينهيها والتحق بالمعهد العالي للمسرح. تحول إلى معارض سياسي عندما غضب من تعامل الحكومة مع معارضيها في الداخل. عارض زملاءه في البعثة. فقد وظيفته كأستاذ في معهد الفنون، حتى أنه تمرد على الحزب الشيوعي الذي أعجبته أفكاره.


هذا التمرد كان منبعه ذلك الطبع الريفي الذي تربى عليه، فتجده يحب بكل كيانه وكذلك يكن غضبه وثورته، لا يعرف حالة البين بين. وهو ما نراه في تمرد غالبية مسرحياته: "ياسين وبهية"، و"آه ياليل ياقمر"، و"قولوا لعين الشمس" و"منين أجيب ناس" و"ملك الشحاتين" و"الحكم بعد المداولة" وغيرها.


لعبت المرأة دور محوري في حياة نجيب، يحكي البعض حكاية العلاقة التي أقامتها الفنانة سميرة محسن زوجة نجيب سرور مع صديقه الأديب نجيب محفوظ الذي برر ذلك بأن الأخير قد نصح سرور بألّا يتزوجها نظرًا لكثرة علاقتها.


تلك الملحمة من الحب والغضب كانت نتيجته الموت وحيدًا في أكتوبر 1978، "بائسًا شاردًا مقهورًا من الأهل والأصدقاء والدولة" كما كتب البعض.


كانت حياة سرور سلسلة من المعارك أساسها إعلان رأيه صراحة بحدة شديدة في الغالب كانت ستظهر في هجوم سرور المستمر لو تواجد بيننا الآن بخلاف يحي حقي كان سرور سيحارب حول معتقداته وآراءه أيًا كانت تكلفة ذلك. لو وُجد لكان كثير الحديث والجدال. عنيف بشكلٍ ما. يحاول تأكيد ما يؤمن به بشتّى الطرق.



أروى صالح.. حساب غير مفعّل

منذ بداية تفاعلها ضمن الحركة الطلابية اليسارية في جيل السبعينات مع بداية حكم جمال عبد الناصر كان للكاتبة والروائية أروى صالح اسم حركي: هيفاء إسماعيل، كانت تهرب خلاله من عيون الحكومة، إذ كانت عضوة في حزب العمال الشيوعي.


بعد تلك الفترة بسنوات كانت قالت للشاعر الكبير عبد المنعم رمضان ذات مرة بصوت مرتعش وفي خجل "أنا هيفاء إسماعيل، أنا مجرد ذكرى". في الوقت ذاته تقول صديقتها نوال السعداوي "قبل أن تلقى أروى صالح بنفسها من الدور العاشر جاءنى صوتها عبر التليفون: موتى سلاحى الأخير ضد المبتسرين وناقصى التكوين".


ظلت هواجس نسيانها أو تجاهل دورها وجيلها تراودها حتى آخر أيامها، وربما كانت السبب وراء التخلص من حياتها بعد تقلبات نفسية وعصبية. حتى يذكر أصدقاءها في مذكراتهم بعد ذلك أنها كانت تضع مساحيق لافتة للإنتباه حتى تظهر أصغر أو تحاول التواصل مع الجيل الأصغر.


ألقت نفسها من الدور العاشر بعمارة كان يقيم فيها أحد أقرباءها في 1997. قبل ذلك قاست من اكتئاب حاد ونوبات شيزوفرينيا. كرهت "المثقفين بكل أصنافهم" كما تقول تركت العمل السياسي فقط لتنسى ماضيها، ابتعدت لتندمج ضمن صداقات جديدة، وتزوجت من شاعر يضغرها بسنوات.


قدمت كتابها المبتسرون.. دفاتر واحدة من جيل الحركة الطلابية" ذلك الكتاب الذي "لم يكتب عنه ناقد كبير ولم يذكره أحد في إتحاد الكتاب". حيث صدر قبل وفاتها بشهور، يجمع بين كونه مذكرات شخصية لصاحبه ومحاولة رصد وتحليل الحركة الطلابية آنذاك. تقول "غير أن هاجساً أساسياً من هواجسي لدى كتابة هذا العمل أن أقدّم للأجيال التالية التي قد تشغلها تجربتنا ,تراثًا يجب أن يجحدوه، وفي هذا ليس لدي فصال". ثمة تصور ما أن معظم جيل الستينيات السياسي عاش نصف حياة ونصف تمرد، إلى جانب انتصار زائف في حرب أكتوبر فلم تكن تريد لأجيال أخرى حيرتها أو حزنها التي لم تعرف وصفًا له.


لم تحصل صاحبة ترجمة "نقد الحركة النسوانية" على أصدقاء كفاية يشبعوا رغبتها في الحياة كما لم تنل حظها من حبيبٍ يعوّض ذلك. ربما عاشت هواجس وحدتها طوال عمرها القصير. كان دائمًا في حالة جوع عاطفي وجسدي ومعنوي." والمحبون يموتون. لا شهداء للعشق. فحتى فعل الحب أضحى فعل قتل.. يملأ الإنسان الفراغ الناجم بالسطوة والقهر" كما كتبت في "سرطان الروح".


المساحات التي تحركت خلالها صغيرة في الكتابة وممارسة الحياة جعلتها تتقدم نوعيًا فيما يمكن تقديمه من كتابات شخصية. لم تكن كاتبة فقط بل أنها ضمن النشاط الطلابي تحاول ممارسة الحياة واقعيًا واختبارها. يمكن القول أنها تجاوزت الكتابة من خلال ممارسة الحياة الشخصية، وهو ما يفسّر قلة إنتاجها الأدبي رغم وحدتها الدائمة التي كان يمكن استغلالها في الإنتاج.


أثناء إقامتها في أسبانيا قالت "كنت أمشي ساعات طوالًا، وأكلم نفسي طوال الوقت. كنت أتابع مشاهد أكثر إنسانية مما اعتادته عيناي في بلادي، حدائق وحب علني … التمشية الطويلة في شوارع مرحة، يتبادل فيها المراهقون القبل دون خوف". كانت تقارن ذلك بما رآته من صخب فارغ في القاهرة. توقفت خلال إحدى تمشياتها عند كوبري 6 أكتوبر في وسط البلد بالقاهرة لتنظر إلى المياه أسفلها، مر بها شابان سخرا منها: بتشاوري عقلك ولا إيه! كتبت: انتظرت حتى ابتعدا ثم قفزت".


في كتابه الحب السائل يقول زيجمونت باومان "إن محادثتنا على الانترنت تعمل على استبدال تأمل النفس بتفاعل تافه مسعور يفضح أعمق أسرارنا بجانب قائمة المشتريات التي نتسوقها". غالبًا لم تكن أروى صالح كذلك بالتعامل وسط ضجيج وسائل التواصل وصخبها منشغلة بتأمل نفسها وحياتها أكثر من الثرثرة. هذا الشخص الذي حاول خوض التجربة وتسخير الكتابة للقبض على الحياة بكاملها ربما ما كان ليرضى بشعور مبهم أو عدم سيطرة كاملة على الأمور.

 
 
 

Σχόλια


bottom of page